بدا رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أسعد المحتفلين بمتابعة إطلاق المركبة الفضائية الإسرائيلية «براشيت»، التي تعني «في البدء»، وهي التسمية المأخوذة من «سفر التكوين». والمركبة، التي من المتوقع أن تصل القمر في 11 نيسان/ أبريل المقبل، أنتجتها شركة «سبيس آي إل» الخاصة بالتعاون مع مصنع الفضاء التابع للصناعات الجوية الإسرائيلية. أسباب كثيرة يبدو نتنياهو سعيداً وفخوراً على خلفيتها. في مقدمها أن الرحلة الإسرائيلية الأولى إلى القمر جاءت في ولايته، وأنها ستضع إسرائيل مباشرة بعد روسيا والولايات المتحدة والصين في «احتلال القمر». وخلال متابعته عملية الإطلاق (عبر الشاشة) التي جرت من قاعدة «كيب كانافيرال» في ولاية فلوريدا الأميركية، قال إنه «أوصى بتحميل المركبة كتاب التوراة، وإذا ما نجحت في الوصول إلى القمر، أن تغرس علم إسرائيل الذي كتب عليه: شعب إسرائيل حي». لكن المفاجأة ليل أمس أنه كان على «براشيت» أن تُنفّذ مناورة تبتعد بها أكثر عن كوكب الأرض وتدخل مساراً أعلى. و«لأسباب مجهولة»، أعاد حاسوب المركبة تشغيل نفسه، وأُلغيت المناورة، وما زال الفريق الإسرائيلي يفحص الأسباب وراء الخلل.
أوصى نتنياهو بتحميل المركبة المتجهة إلى القمر نسخة من «التوراة» (من الويب)

المدير العام لـ«سبيس آي إل»، عيدو عنتابي، ومدير «مصنع الفضاء» عوفر دورون، يأملان أن تُحلّ المشكلة كي تجري المناورة في أقرب وقت، كما نقلت صحيفة «هآرتس» العبرية التي قالت إن «الخلل الأخير يُضاف إلى مشكلة الحساسية المفرطة لأشعة الشمس التي شخّصها المهندسون في أجهزة الاستشعار». وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، «فقد لا تصل براشيت إلى القمر». وتفسير ذلك هو أن الطريقة التي تتبعها المركبة تعتمد على قوة الجاذبية، إذ من المفترض أن تجري مناورات تكبّر في كل واحدة منها القطر حول كوكب الأرض، وفي نهاية المطاف تصل إلى القمر.
التطورات الأخيرة تُعيد إلى الأذهان الانتقادات التي وجّهها «مراقب الدولة»، القاضي المتقاعد يوسف شابيرا، إلى سياسة الحكومة الإسرائيلية في قطاع الفضاء. فمن التقرير الذي أصدره شابيرا العام الفائت، يتبين أنه «منذ 2008 حتى اليوم، عانت إسرائيل أزمة مستمرة في مجال الفضاء، بما في ذلك الأقمار الاصطناعية للاتصالات». والسبب، كما يقول، هو «غياب سياسة وطنية تجاه هذا القطاع، وعدم تطبيق الهيئات المعنية للتوصيات التي تُطلَق سنوياً بهدف تحسينه».
«مراقب الدولة»: لا توجد سياسة وطنية للتعامل مع قطاع الفضاء


وترى إسرائيل أن نشاطها في مجال الفضاء، واستثمارها في الصناعات الفضائية، أداة مهمة لتلبية احتياجات أمنها القومي، وتدعيم مجالات الصناعة والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا، وفي النتيجة رفع مكانتها الدولية. لكن تقريراً نشره «هيدعان» (موقع إسرائيلي حكومي متخصص بالعلوم والتكنولوجيا)، استناداً إلى تقرير مراقب الدولة نفسه، يؤكد أن الأزمة المستمرة منذ عقد «قد تعرّض مستقبل صناعة الفضاء في إسرائيل للخطر، ومن ضمنها إنتاج الأقمار المستخدمة للاتصالات». ويضيف: «في حالة واحدة فقط، إذا ما نفّذت الحكومة توصيات المراقب وسخرّت الميزانيات المطلوبة، قد لا تخسر القدرات الاستراتيجية التي بنتها منذ عقود».
تقارير عبرية كثيرة تحدثت عن مشكلات قطاع صناعة الفضاء في إسرائيل، منذ فشل تجربة إطلاق قمر الاتصالات «عاموس 6» قبل عامين. في ذلك الوقت، وبينما كانت تصريحات المسؤولين تعبر عن خشيتهم من تأثير انفجار «القمر» على سمعة صناعة الفضاء الإسرائيلية، وقدرتها على المنافسة في السوق الدولية للفضاء، حاول المسؤولون في الصناعات الجوية الإسرائيلية تحويل التهديد إلى فرصة، لكنهم لم يستطيعوا ذلك حتى اليوم.
على هذه الخلفية، تحدث تقرير سابق لـ«هآرتس» عن أنه «على رغم انخفاض كلفة إنتاج تكنولوجيا الفضاء، ثمة نقص في الإنتاج المحلي بالمقارنة مع العالمي»، والأهم من ذلك أن «الصناعات الفضائية الإسرائيلية مهمشة إذا ما قورنت بصناعات أخرى (تكنولوجية، عسكرية، زراعية... إلخ) من حيث إمكانية تطويرها». ووفق الصحيفة، لا توجد «خطة منهجية لنشر ثقافة الاهتمام بعلوم الفضاء في المجتمع الإسرائيلي، إذ يفتقر الإسرائيليون إلى المعلومات حول ذلك، إذا ما قورنوا بالمجتمعين الأوروبي والأميركي»، وهذا يفسر النقص في عدد العاملين والموظفين الاختصاصيين في مجال البرمجة المتعلقة بصناعات الفضاء. في المقابل، يظهر أن عدد الموظفين والاختصاصيين في الشركات التكنولوجية أكبر من المجال الأول. كذلك، تشير «هآرتس» إلى أن «شركات الهايتك لديها شروط عمل جذابة أكثر من شركات صناعة الفضاء».
بناءً على ذلك، خلصت مجلة «ذي ماركير» الإسرائيلية، في تقرير أمس، إلى أنه «إذا ما استطاعت براشيت الوصول إلى القمر، فإنها ستصل بالطريقة الأكثر إسرائيلية على الإطلاق»، موضحة أن هذه الطريقة تعني «أقلّ استثمار ودعم مالي من جانب الحكومة»، مضيفة أن «القرار بإكمال المشروع كان اعتباطياً، كما أن الهدف وضعته شركة غوغل»، في إشارة إلى المسابقة التي أعلنت عنها «Google Lunar XPRIZE»، وانتهت من دون فائز. وتساءلت المجلة: «هل ثماني سنوات في العمل، والكثير من التبرعات الخاصة (من رجال أعمال وشركات خاصة)، والوقاحة الإسرائيلية... تكفي لإيصال المركبة العبرية الأولى إلى القمر؟».