تسارعت وتيرة حملة «الضغوط القصوى» التي تقودها إدارة ترامب ضد إيران. الشهر الماضي، وضعت الإدارة الحرس الثوري على لائحة المنظمات الإرهابية وألغت الأسبوع الماضي إعفاءات شراء النفط الإيراني الذي كانت قد سمحت لبعض البلدان بشرائه، لتصفير تصديره. وهي قامت بتجديد جزء من الإعفاءات التي تجيز لبعض البلدان التعاون مع إيران في المجال النووي السلمي، وهي إعفاءات لا بد منها لاستمرار العمل بالاتفاق النووي معها. هذا الأسبوع، أعلن البيت الأبيض عن إرسال حاملة طائرات وقاذفات قنابل إلى الخليج الفارسي بهدف «توجيه رسالة واضحة وغير قابلة للتأويل لإيران».لم تنجح حملة الضغوط القصوى، حتى الآن، في تغيير سلوك إيران، ويبدو أن غايتها الفعلية هي دفعها للخروج من الاتفاق النووي والتمهيد لمواجهة عسكرية معها.
بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق مع إيران، وفرضها رزمة جديدة من العقوبات الأحادية، عمدت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 إلى إصدار إعفاءات لشراء النفط الإيراني لثمانية بلدان، وهي: الصين، الهند، اليونان، إيطاليا، تايوان، اليابان، تركيا وكوريا الجنوبية. سمح لهذه البلدان بالاستمرار باستيراد النفط الإيراني لمدة ستة أشهر، على أن تخفض جدياً الكميات المستوردة. أضافت الإدارة شرطاً عند إصدار الإعفاءات، وهو أن على الدول المستوردة للنفط الإيراني ــــ للاستفادة منها ــــ أن تحوّل المبالغ المخصصة لدفع ثمنه إلى escrow accounts، أي حسابات ضمان مجمّدة، تستخدم لشراء السلع التي تلبي الحاجات الإنسانية الأساسية كالغذاء والدواء. في كانون الأول/ ديسمبر الماضي مثلاً، اتفقت الهند وإيران على معايير لعمليات شراء النفط: تقوم الهند بتحويل المبلغ المخصص لدفع ثمن النفط المستورد من إيران إلى حسابات ضمان مجمّدة يملكها مصرف «يو سي أو بنك ليميتد» الرسمي في 5 من بنوكها. تستخدم إيران هذا المبلغ لشراء «سلع إنسانية» من الهند.
عندما أعلن وزير الخارجية، مايك بومبيو، نهاية الإعفاءات الأميركية في 15 نيسان / أبريل، قال إن هذا الأمر سيؤدي إلى حرمان الحكومة الإيرانية من 40% من مواردها المالية. لكن الإعفاءات كانت قد حدّدت بدقة كيفية استخدام إيران لمواردها المالية الناجمة عن بيع النفط، مخصصة إياها حصراً لشراء الغذاء والدواء. جميع الخطوات الإضافية التي تتخذها الإدارة الأميركية تفضي إلى حرمان إيران من المبالغ التي راكمتها في البلدان التي باعتها نفطها، للإنفاق على شراء هذه السلع الإنسانية. وتشير المعلومات إلى أن الإدارة تبحث في إمكان توسيع العقوبات لاستهداف قدرة إيران على بيع سلع أخرى، بما فيها المشتقات النفطية، للخارج. جميع هذه الإجراءات تتجاوز بوضوح غايتها المعلنة، وهي استهداف المسؤولين الإيرانيين، لأنها تشمل جميع الإيرانيين بشكل مباشر.
خلال الأسبوع الماضي، تركز الاهتمام على الإعفاءات النووية الضرورية لقيام المجتمع الدولي بالإجراءات التقنية المطلوبة لتطبيق الاتفاق النووي... سمحت هذه الإعفاءات لإيران ببيع المواد النووية الفائضة التي تنتجها والتي كانت تسبب قلقاً لبلدان أخرى. الاتفاق النووي نص على إدخال تعديلات أساسية على ثلاث منشآت نووية ــــ محطة فوردو للتخصيب ومحرك الماء الثقيل في آراك والمفاعل النووي في بوشهر ــــ بمساعدة بعض البلدان. نص الاتفاق أيضاً على تحويل فوردو وآراك إلى منشأتين بحثيتين. وتحتاج إيران إلى إعفاء لتتمكن من شراء الوقود من روسيا لمفاعل بوشهر. ليس هناك حجج تستند إلى وقائع تبرر عدم تجديد الإعفاءات النووية. هي تتيح للمهندسين الأجانب إدخال تعديلات على المنشآت الإيرانية تمنع استخدامها في مشروع نووي عسكري. في الثالث من أيار الحالي، أعلن مساعد وزير الخارجية الأميركي، كريستوفر فورد، تجديد الإعفاءات التي تسمح باستمرار العمل على المنشآت الثلاث، ولكن لمدة 90 يوماً فقط بدلاً من 180 يوماً كما في السابق... لن يستطيع المهندسون المشاركون في عملية تحويل المنشآت الإيرانية إنجاز تقدم حقيقي في مدة زمنية وجيزة كهذه.
إدارة ترامب لم ترغب في أن تبدو متساهلة عبر تجديد جميع الإعفاءات النووية، فاستثنت اثنتين منها. الأول الذي كان يسمح لإيران بنقل فائض الماء الثقيل إلى عمان، والثاني الذي يتيح نقل فائض اليورانيوم العالي التخصيب إلى الخارج في مقابل الحصول على يورانيوم طبيعي. القرار الأميركي يمنع إيران من بيع فائضها ويترك خياراً وحيداً أمامها وهو قيامها بتخفيض تخصيبه... من غير الواضح ما تسعى إدارة ترامب إلى تحقيقه من خلال ضغوطها القصوى. وقف إعفاءات شراء النفط يحدّ من قدرة إيران على شراء السلع الإنسانية الأكثر ضرورة لشعب يكرّر وزير الخارجية بومبيو وقوف إدارته إلى جانبه. وعلى الرغم من أن قرار تجديد الإعفاءات النووية حكيم، فإن تخفيض مدتها الزمنية يعني أن الإدارة ستعاود النظر فيها بعد 90 يوماً. لا يمكن بأي حال تنفيذ العمل التقني الذي ينص عليه الاتفاق النووي خلال ثلاثة أشهر. ويبدو أن منع إيران من نقل أو بيع فائضها من المواد النووية يهدف إلى عرقلة سعيها لاحترام التزاماتها التي ينص عليها الاتفاق النووي. ويأتي إرسال حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن» وقاذفات الصواريخ إلى المنطقة ليزيد من التوتر ومن احتمال الحسابات غير الدقيقة. الدافع الوحيد لجميع هذه الإجراءات هو دفع إيران إلى الزاوية، والتمهيد للمواجهة العسكرية التي لا ترغبها سوى فئة قليلة لأن مكاسبها ستكون هزيلة.

(دينا أسفندياري - Bulletin of the Atomic Scientists)