إسطنبول | بعد يوم من قرار «الهيئة العليا للانتخابات» إلغاء انتخابات إسطنبول المحلية، تقدم حزب «الشعب الجمهوري» الفائز مرشحه، أكرم إمام أوغلو، برئاسة بلديتها، بطلبه إلى الهيئة لإلغاء انتخابات إسطنبول بالكامل. وقال نائب رئيس «الشعب الجمهوري»، محرم أركاك، إن «الهيئة العليا ألغت انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول فقط بحجة أن البعض من رؤساء وأعضاء اللجان الانتخابية قد عُيِّنوا بنحو غير قانوني، لكنها لم تلغِ انتخابات رؤساء البلديات الفرعية والمجالس البلدية ومختاري الأحياء في إسطنبول، وجميعهم انتُخبوا بإشراف نفس اللجان». ورأى أركاك أن الرئيس رجب طيب أردوغان «لم يعد رئيساً للجمهورية، لأن اللجان الانتخابية غير القانونية التي تحججت بها «الهيئة العليا» الآن هي نفسها أشرفت على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 حزيران الماضي»، في وقت وصف فيه زعيم الحزب المعارض، كمال كليجدار أوغلو، أعضاء الهيئة بـ«عصابة مافيا» تأتمر بأوامر أردوغان.طلب «الشعب الجمهوري» جاء مع إعلان «الحزب الشيوعي» التركي انسحابه من انتخابات إسطنبول لمصلحة أكرم إمام أوغلو. وقال الأمين العام لـ«الشيوعي»، كمال آوكيان، إن مرشحة الحزب التي حصلت على 10492 صوتاً لن تشارك في انتخابات الإعادة في 23 حزيران/يونيو. كذلك، أعلن حزب «تركيا المستقلة» انسحابه من الانتخابات، وناشد المصوتين لمرشح الحزب في انتخابات 31 آذار (عددهم 27238 صوتاً) التصويت لإمام أوغلو. وكان مرشح «السعادة الإسلامي» الذي حصل في الانتخابات الماضية على 103300 صوت قد أعلن استعداده للانسحاب من الانتخابات في حال اتخاذ الحزب مثل هذا القرار الذي سيعلنه زعيمه اليوم (الخميس). وأعلن «الديموقراطي» الذي حصل على 22544 صوتاً، و«اليسار الديموقراطي» الذي حصل على 30817 صوتاً، أنهما سيتخذان قريباً القرار النهائي الخاص بالمشاركة في انتخابات 23 حزيران.
وتتوقع مصادر المستقلين وباقي المرشحين عن الأحزاب الصغيرة أن ينسحبوا لمصلحة إمام أوغلو الذي تقدم على مرشح «العدالة والتنمية» في انتخابات 31 آذار بفارق 13 ألف صوت، وذلك بتأييد «تحالف الأمة» الذي ضمّ «الشعب الجمهوري» و«الحزب الجيد» المدعوم من «الشعوب الديموقراطي» الذي حصل في انتخابات 24 حزيران/يونيو الماضي على نحو 1,2 مليون صوت من أصل 9 ملايين ناخب في إسطنبول. وتكتسب أصوات «الشعوب الديموقراطي» الأهمية الكبرى بسبب المعلومات التي تتحدث عن مباحثات سرية بين قيادات «الاتحاد الديموقراطي الكردستاني» السوري ومسؤولين أتراك بوساطة المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري. إذ يسعى أردوغان لإبعاد «الشعوب» عن إمام أوغلو مقابل العودة إلى مباحثات السلام بين أنقرة و«العمال الكردستاني». فقد سمحت السلطات التركية، بعد 4 سنوات، للمحامين بزيارة زعيم الحزب، عبد الله أوجلان، القابع في السجن منذ 1999. ورأت مصادر في قرار السلطات الرسمية محاولة جديدة للحوار مع أوجلان الذي قال على لسان المحامين: «على الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري أن يضع مصالح تركيا بالاعتبار خلال تحركاته شرقيّ الفرات، وعليه أن يستمر في حواره مع دمشق من أجل ضمان المكاسب الديموقراطية في المنطقة».
يبقى الرهان على موقف العواصم الغربية، وخصوصاً واشنطن


في غضون ذلك، بدأ الحديث مبكراً عن سيناريوهات عدة بعد أن أثبتت جميع استطلاعات الرأي أن إمام أوغلو سيحقق انتصاراً كبيراً في انتخابات 23 حزيران. وثمة تقديرات تشير إلى احتمالات تصويت قطاعات واسعة محسوبة على «العدالة والتنمية» الحاكم لإمام أوغلو. يفسر ذلك تصريحات الرئيس السابق عبد الله غول، ورئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، وانتقادهما بشكل عنيف قرار «الهيئة العليا للانتخابات»، إذ رأى الرجلان أنه «عمل تخريبي يهدف إلى القضاء على النظام الديموقراطي في تركيا».
لكن يدرك الجميع أن الرئيس التركي سيستنفر كل ما لديه من الإمكانات لضمان فوز مرشح «العدالة والتنمية»، وأنه لن يتحمل ولن يتقبل هزيمة ثانية ستقضي على مستقبله السياسي بالكامل، في ظل توقع الجميع لإمام أوغلو أن يصبح الرئيس المقبل للبلاد إذا انتصر للمرة الثانية في الانتخابات. ويدفع مثل هذا الاحتمال الأوساط السياسية والإعلامية للحديث عن مغامرات جديدة قد يلجأ إليها أردوغان إذا تبين له أن إمام أوغلو سيفوز في الانتخابات المقبلة. تقول هذه الأوساط إن «الإرهاب» سيكون الموضوع الرئيسي الذي سيفرض نفسه على الشارع ليضمن به أردوغان دعم الجماهير له باعتبار أنه الوحيد الذي يستطيع القضاء على الإرهاب والإرهابيين، وبمقولات قومية ودينية، فيما يقول البعض إن المغامرة في قبرص أو سوريا قد تكون من بين المواضيع التي ستساعد «العدالة والتنمية» على تأجيل أو إلغاء الانتخابات من جديد، إذا لم تكن هذه الوسائل كافية لحشد تأييد القوميين لأردوغان.
في الوقت نفسه، أصدر رؤساء بلديات المدن السياحية على طول شواطئ بحر إيجة والأبيض المتوسط (حيث فاز «الشعب الجمهوري») بيانات ناشدوا فيها المواطنين عدم قضاء عطلهم الصيفية في هذه المدن والبقاء في إسطنبول للمشاركة في الانتخابات. وأولت شبكات التواصل الاجتماعي هذه البيانات أهمية بالغة بسبب لهجتها الفكاهية، فقال البعض من رؤساء البلديات إن درجات الحرارة ستصل إلى 70، والرطوبة إلى 100% يوم 23 حزيران، وحذّر آخرون من أن أسماك القرش ستهاجم الشواطئ في هذا اليوم! في غضون ذلك، قالت «نقابة المحامين» في إسطنبول إن أعضاء النقابة سيشرفون على صناديق الاقتراع، وسيراقبون عمليات الفرز والعد. في المقابل، هدد وتوعد الإعلام الموالي لأردوغان كل الفنانين والفنانات الذين أعلنوا تأييدهم لإمام أوغلو تحت شعار «الغد سيكون أجمل».
ويبقى الرهان على موقف العواصم الغربية، خصوصاً واشنطن التي يعرف أردوغان أنه دونها لا يمكن إقناع المؤسسات المالية الدولية والغربية كي تساعد أنقرة على الخروج من أزمتها الخطيرة مع استمرار التناقضات الكبيرة في سياسات البلاد الخارجية، ولا سيما في سوريا وليبيا والعلاقة مع روسيا وإيران من جهة، ومع أميركا من جهة أخرى. ودفع ذلك الرئيس إلى الاستعجال في اتخاذ قرار إجراء الانتخابات قبل تموز/يوليو المقبل، موعد وصول صواريخ «أس 400» الروسية، وبالتالي انتهاء المهلة التي تحدث عنها الرئيس دونالد ترامب حتى يعلن موقفه الرسمي ضد تركيا في حال استمرارها في التنسيق والتعاون مع روسيا وإيران في مجمل القضايا الإقليمية. وتعبّر الأوساط الاقتصادية والمالية عن قلقها البالغ من احتمالات المزيد من التوتر بين أنقرة وواشنطن، وهو ما ينذر بأزمة مالية خطيرة قبل انتخابات 23 حزيران وبعدها، بات واضحاً أنها ستقرر مصير تركيا وأردوغان، مهما كانت نتيجة هذه الانتخابات التي سيفعل الأخير كل شيء لضمان فوزه فيها.