قد تكون تحرّكات إدارة ترامب مجرّد قرقعة، ولكن يمكنها دفع الولايات المتحدة بسهولة إلى مواجهة عسكرية مع إيران. وقبل أن يحدث ذلك، يجب على الكونغرس أن يتحرك بسرعة من أجل إيجاد الدليل الذي يقود فريق ترامب المعنيّ باتخاذ القرار، ومعرفة مدى صدق المعلومات الاستخبارية. من المفترض على نطاق واسع، أنّ دونالد ترامب نفسه لا يريد حرباً مع إيران. إنها تثير مخاطر انتخابية جدية بالنسبة إليه، ولميوله ضد التدخل العسكري. ولكنه لم يشكك قطّ في اقتراح التدخل الذي قد يُطبّق على إيران، ولم يبذل أي جهد للطعن في وابل التهديدات الموجهة إليها من قبل مستشارَيه الصقرَين للأمن القومي، جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو.
فضلاً عن بيانات بولتون، قدّمت إدارة ترامب القليل من المعلومات بشأن المعلومات الاستخبارية المتعلقة بتقييمها للتهديد الإيراني الحالي ــ وهنا يجب أن يدخُل الكونغرس. في الطريق المؤدية إلى حرب بوش على العراق، شددت إدارة بوش على الادعاءات التي لا أساس لها عن أنّ الزعيم العراقي صدام حسين كان على ارتباط بـ«القاعدة»، حتى إنها أعادت تنظيم المجتمع الاستخباري في محاولة لخلق الأدلة. صوّت الكونغرس على السماح بعمل عسكري بناءً على الدليل ــ الخاطئ في معظمه ــ الذي أدى إلى حرب كارثية وطويلة... في الوقت الحالي، يجب على الكونغرس أن يقوم بمسؤولياته الدستورية ويشدد على أن تشارك الإدارة معلوماتها الاستخبارية.
يجب على الرأي العام الأميركي، والأكثر أهمية على الكونغرس، أن يكونا حذرين جداً في تفسير المعلومات الاستخبارية التي دفعت إدارة ترامب إلى خطواتها الأخيرة. إذا كانت الإدارة تعتمد على المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية، فإنه يجب فحصها بعناية. وهذا ليس فقط لأن أسلوب إسرائيل في تفسير المعلومات الاستخبارية يمكن أن يكون أقل حذراً ممّا هو معمول به في الولايات المتحدة، ولكن لأن القيادة الإسرائيلية لديها مصلحة عميقة في سحب الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران.
مع سجل إدارة ترامب، لا يمكن أحداً أن يعتمد على مقولة «ثقوا بنا، نحن نعرف ما نقوم به». السماح للإدارة بتمهيد الطريق نحو الحرب مع إيران من دون المطالبة بالاطلاع على معلوماتها الاستخبارية، يتضمّن فشلاً تشريعياً ضخماً ــ اختطافاً لمسؤولية الكونغرس الدستورية، في مسائل تتعلق بالحرب والسلم.
(مجلة «بوليتيكو» ــ ستيفن سايمون وريتشارد سوكولسكي)

بينما تتصرّف إيران وأميركا بقوة... خطر الصراع يتزايد
تكمن حسابات الرئيس الإيراني حسن روحاني وآماله، في استرضاء المتشدّدين في الداخل، بينما تُظهر تصميم إيران في وجه الولايات المتحدة. لكنها غير محسوبة كفايةً لعدم استفزاز أوروبا، ودفعها إلى إعادة فرض عقوبات. الموقعون الأوروبيون حذروا إيران، في بيان مشترك، من أنهم يرفضون أي إنذار. لكن المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية مارك فيتزباتريك (الذي يعمل حالياً باحثاً في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن)، يظن أنّ تكتيك إيران قد يعطي نتيجة، وهو يقول إنّ «الأطر المتعلقة بالمياه الثقيلة مكتوبة بنحو مبهم» وهي أصغر من أن تضرب الاتفاق النووي.
مع ذلك، من غير المرجّح أن يكون الموقعون الآخرون قادرين على تلبية مطالب إيران. «في النهاية، سنصل إلى نقطة أخرى حيث سيشعر الإيرانيون بأنهم بحاجة للذهاب خطوة إلى الأمام»، يقول إيان غولدنبرغ، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية، مشيراً إلى أن السؤال هنا هو «إلى أي مدى؟». إذا كانت إيران ستخرج من الاتفاق النووي بالكامل، فهي ستقوم بسحب الآلاف من أجهزة الطرد القديمة من المخازن، وتثبتها تحت الأرض، ثمّ تبني مخزوناً ضخماً من اليورانيوم المخصّب على أعلى مستويات.
ولكن خطوة كهذه ستؤدي إلى توقف الدعم الأوروبي، والعزلة الدبلوماسية وربما أيضاً العمل العسكري. «ما سيكون أمامنا ليس أزمة مباشرة، ولكن أزمة بطيئة الإيقاع ستجري على مدى سنوات ــ كما حصل سابقاً»، يقول غولدنبرغ. السباق بين العقوبات الأميركية من جهة، والبناء الإيراني النووي التدريجي من جهة أخرى، سيعيد العالم إلى السنوات الحامية التي سبقت الاتفاق النووي، حين بدت الضربات الجوية الأميركية والإسرائيلية وشيكة. ولكن الوضع حالياً قد يكون أكثر خطورة. القوات المدعومة من إيران باتت أقوى في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
الأكثر أهمية، أنّ العدائية الأميركية قد كبرت أيضاً. العام الماضي، أصدر وزير الخارجية مايك بومبيو «مجموعة مطالب كاسحة» موجهة إلى إيران تشبه شروط الاستسلام، وقد تضمنت إيقاف تخصيب اليورانيوم (المسموح به وفق الاتفاق) والانسحاب من سوريا. أما مستشار الأمن القومي جون بولتون، فطالما دعا إلى تغيير النظام. «لا أظن أن الرئيس ترامب يريد الذهاب إلى الحرب»، تقول ويندي شيرمان، الدبلوماسية الأميركية السابقة التي فاوضت على الاتفاق النووي، «ولكن لا أظن أنه يفهم كاملاً الدورة التصعيدية التي وضعه فيها بولتون، ومخاطر الحرب، التي تزداد يوماً بعد يوم».
(ذي إيكونوميست بتصرّف)

خيارات الرد الأميركية ــ الإسرائيلية... إذا نشرت إيران صواريخ في العراق
إذا كرّرت إيران معادلتها التي تعمل على أساسها في لبنان وسوريا واليمن، بإرسال صواريخ طويلة المدى إلى العراق، فإن الصراعات المستقبلية مع إسرائيل قد تتضمّن عملاً عسكرياً على الأراضي العراقية. هناك مؤشرات على أن العراق قد يكون المسرح التالي لهذه المقاربة، مؤشرات كانت واضحة قبل الانتشار الأميركي الأخير في المنطقة والاجتماعات مع القادة العراقيين (...).
يتصاعد القلق داخل الدوائر الاستخبارية العراقية والأميركية والإسرائيلية من أن إيران تزوّد سراً الميليشيات بالوكالة في العراق، بصواريخ مدفعية طويلة المدى، بمن فيها المجموعات المصنّفة «إرهابية» من قبل الولايات المتحدة كـ«كتائب حزب الله» و«حركة النجباء»، ومنظمة «بدر» (...). مثلاً، يمكن الصواريخ المدفعية أن تكون قد دخلت إلى العراق، عبر صهاريج المياه أو النفط الفارغة، وهو تكتيك قد استُخدم في اليمن (...).
في الصراع المستقبلي، قد تستهدف المجموعات المسلّحة بالصواريخ في العراق القوات الأميركية في أنحاء مختلفة من الخليج، والمعارضين الإيرانيين الأكراد، والقوات العراقية، أو السعودية (...).
الضربات الصاروخية من العراق لا تُعَدّ تهديداً غير مسبوق بالنسبة إلى إسرائيل أيضاً. قوات صدام أطلقت 38 صاروخاً ضد المدن الإسرائيلية في عام 1991. في أي قتال مستقبلي، فإن إيران يمكن أن تزيد بدرجة كبيرة من نيرانها المحتملة على تل أبيب وغيرها من المدن الإسرائيلية، عبر نشر الصواريخ قصيرة المدى في المنطقة ذاتها في العراق، وربما يجري ذلك من خلال الاستفادة من الميليشيات التي تسيطر على الطرق الرئيسية في محافظة الأنبار (...).
من جهتها، تفكّر إسرائيل بلا شك في ما إذا كان يجب أن تتعامل مع هذا التهديد المحتمل، بناءً على عقليتها القديمة في لبنان (القيام بالقليل إلى حين بدء الحرب)، أو أسلوبها الجديد في سوريا (القيام بضربة مُبكرة قبل أن يتطوّر تهديد الصواريخ إلى رادع هائل). كلتا المقاربتين ستؤدي إلى مشاكل بالنسبة إلى الولايات المتحدة والعراق، لذا يجب على الحكومتين أن تتخذا خطوات لمنع إسرائيل من اتخاذ الخيار بالدرجة الأولى.
(معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ــ مايكل نايتس وأساف أوريون)

ضغط ترامب الأكبر لن يجعل إيران تخضع
تزيّن لوحة جدارية رائعة الجناح الرئيسي للقصر الملكي في مدينة أصفهان الإيرانية، وتصوّر معركة جالديران التي تعود إلى القرن السادس عشر، والتي خيضت بين الإمبراطوريتين التركية العثمانية والفارسية الصفوية. تُظهر اللوحة الجيش الفارسي المنتصر الذي سحق العدو التركي. الحقيقة أن جالديران شهدت فوزاً ساحقاً للعثمانيين، الذين ضمّوا شرق الأناضول وشمال العراق. لكن ما يوحي به تشويه التاريخ الذي يخدم الذات، ليس العار من الهزيمة، بل فخر بالشجاعة البطولية التي قاوم بها الإيرانيون عدواً فاق عددهم، وعلى عكسهم، امتلك مدفعية ثقيلة.
إدارة دونالد ترامب، التي جعلت من إركاع الإيرانيين حجراً أساساً في سياستها في الشرق الأوسط، بعد نحو نصف ألفية، يجب أن تستخلص الدرس من المعركة والطريقة التي هضم بها الفرس الهزيمة (...).
حتى الآن، لا مؤشر على أنّ سياسات إيران الإقليمية تتغيّر أو أن قادتها يريدون العودة إلى طاولة المفاوضات، والخضوع لمطالب إدارة ترامب. كذلك، لا يوجد أي تلميح إلى أن الوضع الاقتصادي الصعب دفع إلى قيام احتجاج شعبي بطريقة قد تهدد حياة النظام (...).
قد يكتشف ترامب ومستشاروه المقرّبون أن التاريخ لن ينحني لإرادتهم. بدلاً من محاولة الوصول إلى الهدف الذي لا يمكن تحقيقه والمتمثل في استسلام إيران، يجب عليهم أن يتجنّبوا خياراً آخر لحرب مكلفة. ويتطلب ذلك التراجع عن المطالب الكبرى، واستخدام العقوبات باعتبارها مشرطاً وليست منشاراً. عملياً، قد يعني ذلك رفع العقوبات تدريجاً ووفق شروط. السؤال هو ما إذا كان يمكن أن يجد ترامب طريقه للخروج من تصاعد المواجهة، إلى مفاوضات يكون فيها الطرفان رابحين.
(«ذي أتلانتك» ــ علي واعظ/ محلّل سياسي للشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية)