تتجه إسرائيل إلى إجراء انتخابات تشريعية جديدة، ما لم تحمل الساعات المقبلة مفاجآت، تُمكّن رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، من تشكيل حكومته الخامسة. قانون حلّ الكنيست الجديد، الذي أُقرّ بالتصويت الأول، لا يصبح نافذاً إلا بعد تصويتين إضافيين، وهو ما يُمكن أن يؤجَّل إلى الدقيقة الأخيرة من المهلة القانونية لعرض الائتلاف الحكومي أمام الكنيست. مع ذلك، تشير المعطيات إلى انتخابات جديدة قد تكون الأولى من نوعها، لجهة أنها تأتي بعد الانتخابات مباشرة، وبعد فشل المُكلَّف تشكيلَها في التوصل إلى توليفة ائتلاف كانت هي التي طلبت تكليفه. في حالتين متشابهتين في الماضي، فشل المُكلَّف في تشكيل الحكومة، فتحوّل التكليف إلى غيره، أو تقرّر تقديم موعد الانتخابات. حصل ذلك مع شمعون بيريز (حزب العمل) عام 1990، فآلت في حينه إلى إسحاق شامير (الليكود)، وفي الحالة الثانية مع تسيبي ليفني التي فشلت عام 2008 في تشكيل الحكومة بعد استقالة إيهود أولمرت بسبب الفشل الإسرائيلي في الحرب على «حزب الله» عام 2006. لكن في الحالتين، لم يكن فشل التكليف بعد إجراء الانتخابات مباشرة.
وإذا فشل نتنياهو فعلاً في تشكيل الائتلاف، فإن اللايقين سيكون سيد الموقف إلى حين إجراء الانتخابات الجديدة التي يبدو أنها ستكون في أيلول/ سبتمبر المقبل. لكن مع ذلك، تمكن الإشارة إلى جملة توقعات بشأنها.
يحيط مسعى نتنياهو إلى تحصين نفسه عبر سنّ قانون الحصانة من الملاحقة القضائية لأعضاء الكنيست، عدم يقين وتشكيك، ربطاً بانتخابات من غير المعلوم نتائجها، والقدرة التي ستكون لدى نتنياهو نفسه من بعدها على فرض إرادته على الأحزاب التي يمكن أن تأتلف معه إن فاز «الليكود». وهذا المعطى سيكون حاسماً لنتنياهو، خاصة أن نتيجة الانتخابات ستكون قريبة من استجوابه الرسمي على خلفية تهمّ الرشى والفساد، وربما أيضاً اتهامه.
من المرجَّح أن يؤثر الفشل بـ «صفقة القرن» المقرر إطلاق خطواتها الأولى في البحرين


من ناحية ثانية، لن تُخاض الانتخابات المقبلة، على الأرجح، كما خيضت الأخيرة، بمعنى أن المتنافسين على مقاعد الكنيست لن يكونوا بالتشكيلات والتكتلات نفسها، سواء في اليمين أو الوسط أو اليسار؛ إذ إننا لسنا أمام إعادة انتخابات، بل انتخابات جديدة قد تشهد أفول أحزاب خاضت الانتخابات السابقة، وتشكيل أحزاب جديدة تخوض المقبلة، مع عدد من الشخصيات التي تقرر خوض السباق. والفروق كبيرة بين الحالتين. ومن الآن، بدأت إشارات التغيير تَرِد. فالشخصية الثانية في حزب «أزرق ــ أبيض»، يائير لابيد، يرفض الإجابة عمّا إذا كان حزبه «يش عتيد» سيبقى في ائتلاف مع رئيس الحزب بني غانتس، ويربط ذلك بالتفاوض الذي سيجري في حينه بين الجانبين، فيما الحزب الثالث في «أزرق أبيض»، وهو حزب «تيليم» لموشيه يعلون، قد يجد مصلحة في أن يأتلف مع حزب يميني يتوافق معه أكثر. في الصراعات على الناخب اليميني، قد تكون المنافسة أشد، خاصة مع توقع عودة رئيس حزب «البيت اليهودي» السابق، نفتالي بينت، إلى المنافسة، بعد فشله في الانتخابات الأخيرة بعيداً عن حزبه، الأمر الذي سيؤدي إلى تشظٍّ أكبر ــــ ربما ــــ مما حدث سابقاً، وإن كانت المصلحة اليمينية تبقى في الاتحاد ما بين مكونات اليمين.
الخاسر الأكبر، إن تجاوزت إسرائيل منتصف هذه الليلة من دون تشكيل حكومة، سيكون بنيامين نتنياهو الذي سيواجه لا يقيناً حول مصيره السياسي في حدٍّ أدنى، مع اقتراب تحريك ملفاته القضائية، فيما الرابح الأكبر كما يبدو من الآن، وإن كان من المبكر الإشارة إلى ذلك، هو أفيغدور ليبرمان؛ إذ أشار استطلاع للرأي إلى أنه سيحصل على تسعة مقاعد في الكنيست المقبل إن خيضت الانتخابات الآن، ما يعني أن عناد ليبرمان جلب لحزبه فائدة، ستكون ــــ في حال تحققها ــــ على حساب أحزاب يمينية أخرى قد تبتعد عن المشهد السياسي في إسرائيل.
في التوقعات، من المرجح أن يؤثر الفشل في تشكيل الحكومة الإسرائيلية، إن حصل بالفعل، بـ «صفقة القرن» المقرر إطلاق خطواتها الأولى في حزيران/ يونيو المقبل في البحرين. وإن كان الوضع الإسرائيلي لا يلغي هذه الفاعلية على الأرجح، لكنه يؤثر فيها وفي ما هو مرتقب بعدها في إسرائيل والولايات المتحدة، خاصة أنها ستتحول إلى مادة سجالية على الخلفية الانتخابية في إسرائيل، وسيرتفع الصوت رفضاً لها، لأن اليمين الإسرائيلي وصل إلى حدّ رفض حتى ما يتعلق بالشكليات تجاه الفلسطينيين، ما يعني الابتعاد عن استراتيجية انتظار الرفض الفلسطيني للتملّص من التطبيق. إلا أن أهم المعطيات التي يجب أن تكون حاضرة إزاء إسرائيل وسياساتها الخارجية، هي القدرة على اتخاذ قرارات شنّ اعتداءات، وصولاً إلى خوض مواجهات شاملة. وهي قرارات ستبقى في يد الحكومة كما كان عليه الحال سابقاً؛ إذ لا تصريف أعمال بالمعنى الحرفي للكلمة في إسرائيل.