طهران | تتوجّه الأنظار اليوم إلى طهران، حيث يصل رئيس الوزراء الياباني، في مبادرة إطفائية، قد يصعب أن تتطور إلى وساطة تفضي إلى جمع أصدقائه الأميركيين والإيرانيين حول طاولة مفاوضات يريدها دونالد ترامب بأي ثمن، ولا يقبل بها الإيرانيون إلا بشروط. لكن حدّاً أدنى ممكناً قد تخرج به الزيارة، يقتصر على الإسهام في ضبط التوتّر الحاصل عند مستوى أقل خطورة.يصل رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، اليوم، إلى طهران، في زيارة هي الأولى لرئيس وزراء ياباني لإيران منذ انتصار الثورة قبل أربعين عاماً، يلتقي خلالها كبار المسؤولين الإيرانيين، بِمَن فيهم المرشد علي خامنئي، والرئيس حسن روحاني. أهمية الزيارة تكمن في احتمال أن ينقل الضيف الياباني رسالة من رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، على وقع اشتداد التوتر والتصعيد بين طهران وواشنطن في الأسابيع الأخيرة.
بحسب المتحدث باسم الحكومة اليابانية، فإن الهدف من الزيارة يتمثل في المساهمة في خفض التصعيد بين إيران والولايات المتحدة. وهي مهمّة لا تقتصر على اليابان، إذ انخرطت فيها أطراف أخرى كالعراق وسلطنة عُمان وألمانيا، وانضمّت إليها أخيراً دولة قطر.
تربط اليابان علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، فضلاً عن علاقاتها السياسية والاقتصادية المستدامة مع إيران. كذلك إنّ القلق الناتج من الآثار السلبية للتصعيد الأخير على أسواق النفط، الذي تعدّ اليابان الصناعية أحد زبائنه الرئيسيين، منح طوكيو دافعاً قوياً لبدء تحرّك سياسي لخفض التوترات. وكان آبي قد قال، في وقت سابق، إن «التوتر الحاصل في محيط إيران يجب احتواؤه وخفضه، ولا يجب السماح بأن يتحول إلى اشتباك عسكري». وبات جلياً أن زيارة آبي الإيرانية تجري في ضوء أخضر، وربما بتشجيع من واشنطن، اتضحا مع زيارة ترامب الأخيرة لليابان وإشادته غير المباشرة بمسعى آبي، وهو ما دفع إلى الاعتقاد أنه يحمل في زيارته رسالة من ترامب إلى المسؤولين الإيرانيين.
لا يبدو أن الضيف الياباني ينقل رسالة تتضمّن خفض العقوبات كـ«حسن نية» من جانب واشنطن


لكن مهمّة آبي في طهران ستكون صعبة. فعشية زيارته، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على قسم كبير من قطاع البتروكيماويات الإيراني، وهو ما يمثّل تشديداً على أن واشنطن لم تتخلّ عن سياسة «الحد الأقصى من الضغط» على إيران، ما يبعث على الاعتقاد بأن محاولات الوساطة لا تغيّر من هذه السياسة شيئاً، في وقت تضع فيه طهران التراجع عن هذه السياسة كشرط لخوض التفاوض، وتعتبر وجود العقوبات أمراً يتناقض والدعوة إلى «تفاوض غير مشروط». وهو ما أعلنه قبل أيام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، على لسان المتحدث باسمه كيوان خسروي، الذي حدّد «عودة أميركا إلى الاتفاق النووي، وإلغاء الحظر العابر للحدود، والتعويض عن الأضرار التي لحقت بإيران» شروطاً لنجاح المبادرة اليابانية.
على العكس تماماً من الموقف الإيراني، فإن وجهة نظر إدارة ترامب هي أن ممارسة الحدّ الأقصى من الضغط تشكّل ضماناً لبدء المحادثات وإنجاحها، وهي السياسة ذاتها المعتمدة مع كوريا الشمالية، حيث لم تُقلَّص العقوبات، على رغم الحوار الجاري، وهو ما لا تريد طهران الوقوع فيه. لكن ترامب لا يقدّم تنازلات من أجل بدء المحادثات أو ديمومتها، وأي تنازلات تُمنح ــــ وفق استراتيجيته ــــ في نهاية المطاف لا في بداية المشوار أو وسطه. في ضوء ذلك، لا يبدو أن شينزو آبي ينقل رسالة تتضمن خفض العقوبات كبادرة «حسن نية» من جانب واشنطن لبدء المحادثات، بل سيحثّ الإيرانيين على بدء التفاوض من دون قيد أو شرط مع إدارة ترامب لا أكثر. بعبارة أخرى، إن ضوء ترامب الأخضر لزيارة آبي يأتي بهدف تكثيف الضغط السياسي على إيران، الموازي للضغوطات الناجمة عن العقوبات، لدفعها إلى الدخول في المحادثات التي يصبو إليها هو وفريقه.
في النتيجة، في ظلّ ظروف كهذه، يبدو مستبعداً أن يحمل شينزو آبي جديداً قادراً على إحداث اختراق في مواقف إيران، وحثّ مسؤوليها على الدخول في محادثات مع واشنطن. مع ذلك، فإن جهوده، إلى جانب أطراف أخرى، يمكن أن تساهم إلى حدّ ما في السيطرة على التوتر والحدّ من تصاعده، ولا سيما الحيلولة دون أن تفضي الخلافات إلى مواجهة عسكرية يؤكد الطرفان عدم الرغبة في خوضها، مع العلم أن وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، شدد، أول من أمس، أمام نظيره الألماني، على أن خفض التوتّر لن يتحقّق إلا عبر «وقف الحرب الاقتصادية التي تشنّها أميركا».