ربّما وافق الرئيس الصيني، شي جين بينغ (خلال لقائه الرئيس الأميركي، يوم غدٍ السبت، على هامش قمة «مجموعة العشرين»)، على خطوات إضافية لخفض الاختلال في الميزان التجاري بين الصين والولايات المتحدة. وهو بذلك، يكون قد قدّم لدونالد ترامب مَخرَجاً لإنهاء حربه التجارية، وحفظ ماء وجهه. لكن شي لن يوافق على تغيير النظام الاقتصادي للصين، ولِمَ يوافق أصلاً؟
يركز النظام الاقتصادي الأميركي على تعاظم عائدات المساهمين. ويحقّق هذا الهدف: قبل أسبوع، حقّق مؤشر «S&P 500» أعلى مستوى له على الإطلاق. لكن الأميركيين العاديين لم يحقّقوا مكاسب كبيرة في دخلهم على مدى العقود الأربعة الأخيرة، وذلك بعد تكييفها تماشياً مع التضخم.
خلافاً للنظام الاقتصادي الأميركي، يركّز النظام الاقتصادي الصيني على تعاظم الصين. ويحقّق أيضاً هذا الهدف. فقبل أربعين عاماً، كانت الصين لا تزال دولة زراعية متخلّفة، لكنها أصبحت، راهناً، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إذ تضمّ أضخم صناعات السيارات، وبعضاً من أقوى شركات التكنولوجيا عالمياً. وخلال السنوات الـ40 الماضية، أيضاً، تغلّب مئات الملايين من الصينيين على الفقر.
النظامان، طبعاً، يختلفان جذرياً. إذ توجد في جوهر النظام الأميركي 500 شركة عملاقة مقرّها الولايات المتحدة، تشتري وتبيع في جميع أنحاء العالم. نصف موظفيها من غير الأميركيين الموجودين خارج البلد. أما ثلث المساهمين، فمن غير الأميركيين أيضاً. ولاء هذه الشركات العملاقة ليس لأميركا، بل لمساهميها حصراً. ويمكن أن تقوم بكل ما يلزم لرفع أسعار أسهمها بأكبر قدْر ممكن، ما يتضمّن: إبقاء الأجور منخفضة، ومحاربة النقابات، وإعادة تصنيف الموظفين كمتعاقدين مستقلّين، والاستعانة بمصادر خارجية لشراء «قِطع» أرخص، وتحويل أرباحها إلى أي مكان في العالم حيث الضرائب منخفضة، ودفع رواتب سخيفة لكبار المديرين التنفيذيين لديها.
على النقيض من ذلك، تعتبر الشركات المملوكة للدولة، التي تقترض من المصارف الحكومية بأسعار مخفضة بشكل مصطنع، جوهر الاقتصاد الصيني. وتوازِن هذه الشركات الحكومية بين صعود الاقتصاد وهبوطه، وهي تالياً تنفق أكثر حين تحجِم الشركات الخاصة عن القيام بذلك. كذلك فإنها تُعتبر محركات أساسية للنمو الاقتصادي، إذ تقوم باستثمارات تتطلّب رؤوس أموال ضخمة تحتاجها الصين للازدهار، بما في ذلك الاستثمار بالتكنولوجيا الحديثة.
وعليه، سيبذل المخطّطون الرئيسيون والشركات المملوكة للدولة الصينية كل ما هو ضروري أولاً لتحسين رفاهية الشعب، وثانياً لجعل الاقتصاد الصيني الأقوى عالمياً.
منذ عام 1978، نما الاقتصاد الصيني بمعدّل يفوق الـ9 في المئة سنوياً. لكن النمو تباطأ أخيراً جرّاء الرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن، وقد يصل إلى 6 أو 7 في المئة. لكن حتى في ظل التباطؤ، لا يزال نمو الاقتصاد الصيني أسرع من أيّ اقتصاد آخر في العالم، بما فيه الولايات المتحدة.
ويعتمد النظام الأميركي على الضرائب والدعم الحكومي والقوانين، بهدف إقناع الشركات بالتصرّف لمصلحة الجمهور الأميركي. لكن هذه الرافعات أثبتت ضعفها مقارنة بالهدف الرئيس للشركة، والمتمثل في زيادة عائدات المساهمين.
في الأسبوع الماضي، مثلاً، أعلنت «وول مارت»، أكبر شركة توظيف في أميركا، أنها ستُسرّح 570 موظفاً، على رغم أن أرباحها تجاوزت الملياري دولار، بفضل ترامب الذي أقرّ التخفيضات الضريبية للشركات. وفي العام الماضي، أغلقت الشركة العشرات من متاجر Sam's Club، تاركةً آلاف الأميركيين عاطلين من العمل. في الوقت ذاته، ضخّت «وول مارت» أكثر من 20 مليار دولار لإعادة شراء أسهمها الخاصة، ما يعزّز رواتب المسؤولين التنفيذيين لديها، ويزيد ثراء المستثمرين الأثرياء أصلاً، لكنه لا يأتي بأي عائدات للاقتصاد الأميركي.
تجدر الإشارة إلى أن «وول مارت» شركة عالمية، وليست في حاجة إلى رشوة المسؤولين الأجانب لتسلك طريقها. لكن الشركة وافقت يوم الخميس الماضي، على دفع مبلغ 282 مليون دولار لتسوية ادعاءات فدرالية متعلقة بالفساد في الخارج، من ضمنها إرسال مبلغ يفوق الـ500 ألف دولار إلى وسيط في البرازيل، تُعرف باسم «الساحرة» لقدرتها على «إخفاء» مشاكل تصاريح البناء.
في الاقتصاد الأميركي، أدّى تخفيض ترامب للضرائب إلى وضع غير مريح في الوظائف والأجور، لكنه آتى ثماره في حالة مديري الشركات والمستثمرين الكبار. وبدلاً من إعادة استثمار المدخرات في أعمالها، أفاد «صندوق النقد الدولي» بأن الشركات استخدَمت هذه الأموال لإعادة شراء الأسهم.
تعمل الشركات الأميركية لتحقيق الأرباح وزيادة أسعار أسهمها، لا لخدمة أميركا


لكن مهلاً، أميركا دولة ديموقراطية والصين ديكتاتورية، أليس ذلك صحيحاً؟ بلى، لكن معظم الأميركيين ليس لديهم تأثير يذكر في السياسة العامة. لذا، إن التخفيض الضريبي لم يؤثر فيهم إلا قليلاً.
تلك كانت الخلاصة التي توصل إليها الأستاذان مارتن جيلينز من جامعة برنستون، وبنجامين بايدج من جامعة نورث وسترن، اللذين قاما بتحليل 1799 قضية سياسات أمام الكونغرس. وخلصوا إلى أن «تفضيلات المواطن الأميركي العادي لا تكاد تؤثّر على الإطلاق، وهي تقترب من الصفر، وليست لها دلالة إحصائية على السياسات العامة»
وبدلاً من ذلك، يستجيب المشرعون الأميركيون لمطالب الأثرياء (المديرون التنفيذيون للشركات، وأقطاب وول ستريت) والشركات الكبرى، أي جماعات الضغط والجيوب العميقة التي تنفع في تمويل الحملات الانتخابية.
لا تلوموا الشركات الأميركية؛ إنها تعمل لتحقيق الأرباح وزيادة أسعار أسهمها، لا لخدمة أميركا.
لكن بسبب هيمنتها على السياسة الأميركية والتزامها أسعار الأسهم بدلاً من رفاهية الأميركيين، فمن الحماقة الاعتماد عليها في خلق وظائف جيّدة، أو تحسين القدرة التنافسية الأميركية.
أنا لا أقترح هنا أن نحاكي النظام الاقتصادي الصيني. أقترح ألّا نكون متعجرفين حين يتعلق الأمر بالنظام الاقتصادي الأميركي.
وبدلاً من محاولة دفع الصين إلى التغيير، يجب علينا الحدّ من هيمنة الشركات الأميركية الكبرى على السياسة الأميركية. فالصين ليست السبب في أن نصف الأميركيين لم يحصلوا على زيادة في الأجور في العقود الأربعة الأخيرة. الحقيقة أن الأميركيين لا يستطيعون أن ينجحوا داخل نظام تديره، إلى حدّ كبير، شركات أميركية كبرى، مصمّمة خصوصاً لتعزيز أسعار أسهمها، وليس لدعم الأميركيين.

روبرت رايش ــــ وزير عمل أميركي سابق، وأستاذ السياسة العامة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي
«ذي غارديان» البريطانية