تتكشّف مع الوقت مؤشرات تشي بأن عملية اعتراض مشاة البحرية البريطانية حاملة النفط الإيرانية العملاقة «غريس 1» لم تكن وليدة قرار مفاجئ، بل تمت بعد استعداد مسبق للهجوم ومفاعيله، بهدف تحميله رسائل أمنية وسياسية مكثّفة. هذا ما توحي به أيضاً الحركة الاستعراضية لهجوم مشاة البحرية البريطانية، ومن ثم نشر تفاصيل الهجوم وهبوط المروحية على متن السفينة ونشر صور اقتحام السفينة، وقبلها التعليقات السياسية. وهو ما تبنته الخارجية الروسية، التي رأت في تعليقها على الحادثة أمس أن «الملاحظات» التي أبداها مسؤولون بريطانيون وأميركيون بعد احتجاز السفينة «وما انطوت عليه من حماسة تظهر أن هذا العمل كان مخططاً له منذ وقت طويل»، معتبرة أن عملية الاحتجاز «عمل متعمد يهدف إلى تعقيد الوضع أكثر بالنسبة إلى إيران وسوريا».أما مرافعة طهران الأولى أثناء استدعاء الخارجية الإيرانية للسفير البريطاني، فتمسّكت بأن الهجوم الذي وصفته بـ«القرصنة» جرى في المياه الدولية، وأنه لا يحق تطبيق قوانين محلية «بصورة عابرة للحدود ضد الدول الأخرى»، في إشارة إلى العقوبات الأوروبية على سوريا والتي تذرّعت لندن بها. وتوقفت طهران ملّياً عند المعلومات في شأن كون العملية تمت بطلب أميركي، إلا أن سلطات جبل طارق ناقضت الرواية الإسبانية الرسمية عن الحادثة، وأكدت أنها لم تتلقّ طلباً من الخارج، موضحة أنه «تم اتخاذ قرارات حكومة جبل طارق بشكل مستقل تماماً بسبب انتهاكات للقانون الحالي، وليس استناداً إلى أي اعتبارات سياسية خارجية».
هنا، تبرز إضافة نشرها موقع مؤسسة «Tanker Trackers» المتخصص، تشي إن صحّت بتعديلات على حيثيات الحادثة. بحسب هذه المعلومات، فإن من المحتمل أن لا تكون وجهة السفينة مصفاة بانياس، بل التفريغ في المياه وربما لجهة أوروبية. هذا السيناريو، ترجحه طبيعة المادة المنقولة؛ زيت الوقود، وهو مادة سميكة ولزجة تجعل السفينة أثقل من المعتاد، ويستعمل لمحركات السفن وغيرها. وكذلك طبيعة السفينة نفسها، إذ إنها من السفن الضخمة والقديمة (بنيت في 1997 ويمنع للسفن فوق الـ 20 عاماً الرسوّ في العديد من الموانئ)، ولا يسمح لها بالرسو في الميناء. ووفق البيانات التي رصدها الموقع، كانت السفينة تغطّ في عمق 22.5 متراً، وهو ما يؤكد حملها زيت الوقود.
تتمسّك إيران بأن السفينة كانت في المياه الدولية


لا شيء يؤكد ترجيح الموقع المذكور أن الوجهة كانت أوروبية (وهو ما يبدل في طبيعة القضية مع انتفاء حجة العقوبات على سوريا) إن كان بإمكان السفينة أن تفرّغ في المياه قبالة بانياس، باستخدام خرطوم طويل غير تقليدي أو سفن وسيطة، ولا سيما أن طهران لم تنف كون وجهة السفينة ميناء بانياس. بكل الأحوال، فإن ما أقدمت عليه بريطانيا، كسابقة وفي توقيت حساس يتزامن وتعثر المفاوضات النووية بين أوروبا وطهران، لا يمكن أن يخلو من الرسائل السياسية، وخصوصاً أن إيران لم تتوقف يوماً عن خرق الحصار على سوريا، بحسب ما تشير بيانات رصدتها «بلومبيرغ» الأميركية، وبقيت سوريا تستورد النفط الإيراني في 2018 بمعدل يفوق 32 ألف برميل يومياً، ولم تسجل حادثة مشابهة منذ إقرار العقوبات في 2011.
كل ذلك جعل طهران معنيّة برد مقابل، ليس واضحاً كيف سيترجم، في انتظار قراءة فحوى الرسالة البريطانية، التي لا يُستبعد أن تكون من بين تفسيراتها محاولة واشنطن ترسيخ معادلة تتعلق باستهداف السفن في الخليج. وبين الأصوات الإيرانية من طالب برد مماثل تقابَل به بريطانيا باحتجاز سفينة تابعة لها، كما فعل أمين «مجمع تشخيص مصلحة النظام» محسن رضائي، الذي هدد بأنه «إن لم تفرج بريطانيا عن حاملة ​النفط ​الإيرانية، فوظيفة الأجهزة المسؤولة الرد المماثل واحتجاز ناقلة نفط بريطانية». إلا أن الإفراج عن السفينة وحمولتها لا يبدو أنه سيتم قريباً، إذ مدد قضاء جبل طارق الاحتجاز 14 يوماً، قد تمدد لمدة أطول إذا لم يكتشف وجهة السفينة وحمولتها. وقال متحدث باسم حكومة جبل طارق إن طاقم الناقلة احتُجز ويخضع أفراده للاستجواب «كشهود لا كمجرمين». وأفاد بأن الطاقم مؤلّف من 28 فرداً، من الهنود وبعضهم من باكستان وأوكرانيا، بقوا على متن الناقلة العملاقة، بحضور الشرطة ومسؤولي الجمارك، فيما غادر مشاة البحرية البريطانية. وكانت هيئة بنما البحرية قد أفادت تعليقاً على الحادثة بأن «غريس 1» التي تحمل علم بنما لم تعد مقيدة في سجلاتها منذ 29 أيار الماضي، وبأنها رفعتها من السجلات بعد إنذار يتهم السفينة بأنها «شاركت في تمويل الإرهاب أو مرتبطة به».