كما في العديد من القضايا، اعتمد الرئيس الأميركي أسلوب الفجاجة في تعامله مع تقارير تفيد بظروف سيئة وغير صحية تعانيها مراكز احتجاز المهاجرين على الحدود الأميركية ـــ المكسيكية. مع بداية تزايد تلك التقارير، ردّ دونالد ترامب بالقول للمهاجرين المستائين من أوضاعهم: «لا تأتوا». وهو رأى أن «الكثير من هؤلاء الأجانب غير الشرعيين يعيشون الآن حياة أفضل مما كانوا يعيشونها في الأماكن التي أتوا منها، وفي ظروف أكثر أمناً». بدأ الأمر حين نشر المفتش العام في وزارة الأمن الداخلي صور مراكز احتجاز في ريو غراندي فالي في تكساس، بدت مكتظة بأعداد من المهاجرين تفوق قدرتها الاستيعابية. تلى ذلك تقرير نشرته صحيفتا «نيويورك تايمز» و«إل باسو تايمز» عن مركز احتجاز تابع لحرس الحدود في كلينت/ تكساس، يعيش فيه حالياً مئات الأطفال المكدّسين في زنزانات تكثر فيها الأمراض. يستفيض التقرير في وصف الوضع المزري، مركزاً على أطفالٍ «رائحة ملابسهم نتنة... ويبكون من دون توقف». منذ ذلك الوقت، لم تهدأ الحملة على ترامب، بل دخلت في «بازار» الانتخابات الرئاسية المقبلة، خصوصاً بعدما عاين نواب ديموقراطيون وناشطون في مجال الحقوق المدنية أوضاعاً بالغة السوء ــــ كالاكتظاظ ونقص المياه والغذاء ــــ خلال زياراتهم لتلك المراكز. ومع ازدياد الانتقادات لإدارة الجمارك وحماية الحدود الأميركية، أعلن ترامب أنه سيتم فتح مراكز احتجاز أمام الصحافيين ليعاينوها بأنفسهم. وفيما لم ينف وجود اكتظاظ، أقرّت وزارة الأمن الداخلي الأميركية المشرِفة على حرس الحدود بـ«اكتظاظ خطير» في العديد من مراكز إيواء المهاجرين القادمين بمعظمهم من أميركا الوسطى. مجلّة «ذي أتلانتك» شبّهت الظروف الحالية بتلك التي تعانيها معسكرات الحرب، أو «معسكرات التطهير العرقي». تشبيهٌ تردّد في العديد من وسائل الإعلام، وعلى لسان بعض الديموقراطيين. وأشارت المجلة إلى أن سبعة أطفال على الأقل ماتوا في الحجز خلال العام الماضي، مقارنةً بعدم تسجيل أي حالة وفاة في السنوات العشر السابقة، مبيّنةً أن عدد الأطفال الذين تحتجزهم الحكومة وصل إلى أكثر من 11 ألفاً. وفيما تقول الحكومة إن هؤلاء هم من «من دون مرافقة»، يرى الناشطون في ذلك تضليلاً، خصوصاً أن العديد من الأطفال فُصلوا عن أهاليهم، تطبيقاً لسياسة فصل العائلات التي أقرّها ترامب ثم تراجع عنها. في الإطار ذاته، تحدّثت «نيويورك تايمز» عن وجود 900 مهاجر في مرفق يتّسع لـ125 شخصاً في إل باسو، تعجّ بعض حجراته المصمّمة لاستيعاب 35 شخصاً بما يزيد على 155.
وعلى رغم الحملة التي يواجهها الرئيس الأميركي، إلا أن بحثاً بسيطاً في جذور الأزمة يبيّن أنها لم تبدأ على أيدي الإدارة الحالية. فقد سُمح رسمياً بما اصطُلح على تسميته «الاحتجاز المؤقت» من قِبَل إدارة بيل كلينتون في عام 1996، بالتوازي مع سنّ قوانين مكافحة الإرهاب، والإصلاحات المتعلّقة بالهجرة غير الشرعية. وبين عامي 1996 و 1998، ارتفع عدد المهاجرين المحتجزين من 8500 إلى 16 ألف شخص، وواصل ارتفاعه حتى بلغ 30 ألفاً في عام 2008. وفيما شهد عهد إدارة باراك أوباما المشكلة ذاتها، فقد عكف بعض الجمهوريين، أخيراً، على الردّ على اتهامات الديموقراطيين، بالتذكير بأن الظروف في مراكز الاحتجاز طالما كانت سيئة.
إدارة أوباما كانت متّهمة بمعاملة المهاجرين بطرق مشابهة لما تفعله الإدارة الحالية

وبحسب مجلة «نيوزويك»، فإن إدارة أوباما كانت متهمة بمعاملة المهاجرين بطرق مشابهة لما تفعله الإدارة الحالية. ولفتت إلى أن «اتحاد الحريات المدنية الأميركي» رفع دعوى ضد أوباما في عام 2015، وصف فيها المنشآت بأنها «صناديق من الثلج»، متّهماً «خدمات الجمارك وحماية الحدود» بالإشراف على «ظروف مروّعة»، عبر ترك الناس في «حجرات باردة ومزدحمة لفترة طويلة، من دون القدرة على الحصول على سرير، وصابون... أو حتى وجبات نظيفة ومياه صالحة للشرب، فضلاً عن العناية الطبية، ومحامين». تبدو تلك الظروف المفترضة مشابهة للظروف الحالية، إلا أن الأخيرة ربما تكون أشدّ سوءاً. فقد وجد تقرير صادر عن «مشروع مارشال» (منظمة صحافية أميركية) أن متوسط عدد المهاجرين في مراكز الاحتجاز قد ارتفع راهناً؛ إذ كان عدد المهاجرين المُحتجزين خلال عهد أوباما ما بين 30 و40 ألفاً، ولكن منذ العام الماضي، بلغ معدّلهم حوالى 46 ألفاً، في رقم لا يزال يشهد ارتفاعاً.
في المقابل، وعلى رغم أن ترامب كان أعلن إمكانية استخدام المنشآت العسكرية من أجل إيواء الأطفال المهاجرين غير الشرعيين، إلا أن هذه لن تكون المرة الأولى التي تؤوي فيها قواعد عسكرية أطفالاً مهاجرين، إذ بحسب موقع «ميليتري تايمز»، انتهى الأمر بحوالى 16 ألف قاصر إلى مواقع عسكرية في كاليفورنيا ونيو ميكسيكو وأوكلاهوما وتكساس ما بين عامي 2012 و2017، ««لأن الملاجئ كانت مزدحمة بعدد هائل من الأطفال الذين جرى اعتقالهم على طول الحدود». وينقل الموقع عن تقرير صادر عن «خدمة البحث في الكونغرس» أن غالبية هؤلاء المحتجزين جاؤوا من غواتيمالا وهندوراس والسلفادور من دون أهاليهم، بناءً على ما أفادت به وزارة الخدمات الصحية والإنسانية، التي تُعنى بالاهتمام بالأطفال بعد احتجازهم من قِبَل وزارة الداخلية الأميركية.