تُعدُّ تايوان القضية الأكثر أهمية وحساسية في العلاقات الصينية ـــ الأميركية. هذا ما تؤكده بكين، وتَعيه واشنطن جيداً. قضيةٌ تُعَدّ، منذ زمنٍ طويل، إحدى بؤر التوتّر في العلاقات بين البلدين، لكونها أولاً ورقةً تستخدمها الولايات المتحدة بنحو متواصل لاحتواء الصين، ولتعزيز نفوذها المتنامي في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا، ثانياً.اشتغال إدارة دونالد ترامب على احتواء الصين، في ظلّ التوتر الاستراتيجي المتفاقم بين الاقتصادين الكبيرين، لم يوفّر قضية تايوان. إذ أقرّ الكونغرس الأميركي بين عامي 2018 و2019 قانونين جدليَّين يصبّان في مصلحة توطيد العلاقات مع جزيرةٍ لا تعتقد بمبدأ «الصين الواحدة» وتسعى إلى الانفصال، وهو ينظر الآن في إقرار صفقة بيع أسلحة لتايوان بقيمة مليارَي دولار، بعد موافقة وزارة الخارجية الأميركية.
عملت الإدارة الحالية، بقيادة دونالد ترامب، منذ تسلّمها السلطة، على تمتين علاقاتها بتايوان، حتى باتت توصف بـ«الأقوى» منذ قَطعت واشنطن علاقاتها الدبلوماسية مع تايبيه قبل 40 عاماً، للاعتراف ببكين. هذا الاتجاه يعزّزه إقرار الكونغرس في عام 2018 ما يسمّى «قانون السفر إلى تايوان». ويشجّع القانون المذكور على تبادل الزيارات بين المسؤولين الأميركيين، ونظرائهم في تايوان. وخلال العام الحالي، أجاز مجلس النواب الأميركي «قانون تأمين تايوان لعام 2019»، مؤكداً التزام الولايات المتحدة حيال الجزيرة، عبر تطبيق «قانون العلاقات مع تايوان»، الذي أقرّه الكونغرس بعد فترة وجيزة من انتهاء الحلف الرسمي، جنباً إلى جنب الوجود العسكري الأميركي في تايبيه، في عام 1979. وترى الصين في هذا القانون «أحد المظاهر الأصيلة لعقلية الحرب الباردة ومنطق القوة»، خصوصاً أنه يشرّع تزويد تايوان بأسلحة «ذات طابع دفاعي». بعد ذلك، وتحديداً في عام 1982، دعمت الولايات المتحدة تايوان بوثيقة عرفت باسم «الضمانات الستة»، تشير أولاً إلى أن واشنطن لن تحدّد موعداً لإنهاء مبيعات الأسلحة للجزيرة، على رغم أن الحكومة الأميركية أكدت في بيان «17 آب/ أغسطس» الصيني ـــ الأميركي عام 1982 أنها «لا تعتزم اعتماد سياسة تسليح طويلة الأمد» لحليفتها، وأنها «تستعد لإجراء تخفيض تدريجي لمبيعات السلاح لتايوان»، ما سيفضي «بعد فترة زمنية، إلى حل نهائي». وبعد مرور كل هذه السنوات، غاب أيّ «حل نهائي» لمبيعات السلاح الأميركي إلى تايوان، فضلاً عن اتساع نطاقها مع مرور الوقت.
مطلع حزيران/ يونيو الماضي، أعلنت تايوان أنها طلبت رسمياً من الولايات المتحدة بيعها أسلحة، بهدف تحديث معدّاتها العسكرية المتقادمة وتعزيز قدراتها الدفاعية في وجه الصين. ردّت الأخيرة، يومها، مطالبةً واشنطن بأن «تعي الطبيعة الحساسة جداً والمدمّرة لقرارها بيع أسلحة لتايوان، وبأن تلتزم مبدأ الصين الواحدة». مطلبٌ لم يلقَ آذاناً في واشنطن، حيث وافقت وزارة الخارجية، قبل أيام، على صفقة أسلحة لتايوان بقيمة 2.2 مليار دولار، تشمل خصوصاً 108 دبابات من طراز «أم1 إيه2 تي أبرامز»، و250 صاروخ أرض ــــ جو قصيرة المدى محمولة على الكتف من طراز «ستينغر»، وأكثر من 1500 صاروخ مضاد للدبابات من طرازَي «جافلين» و«تاو». لكن بكين عادت وحضّت واشنطن على إلغاء الصفقة «فوراً»، إذ إنها تشكّل «تدخلاً فاضحاً في شؤوننا الداخلية، يقوّض سيادة الصين ومصالحها الأمنية».
أقرّ الكونغرس أخيراً قانونين جدليَّين يصبّان في مصلحة توطيد العلاقات مع تايوان

وزارة الخارجية التايوانية، سارعت، من جهتها، إلى الترحيب بالموافقة المبدئية الأميركية، وقالت إن «تايبيه تقف في الخطوط الأمامية للطموح التوسعي للصين، وتواجه تهديدات وضغوطاً هائلة من بكين». تقصد الوزارة بذلك، الدعوة التي وجّهها الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في كانون الثاني/ يناير الماضي، إلى «إعادة توحيد» بلاده مع تايوان، على اعتبار أن «الطرفين يمثّلان جزءاً من العائلة الصينية»، وأن «مطالب استقلال تايوان كانت تياراً معاكساً من التاريخ لا مستقبل أمامه». حينها، شدّد في رسالة إلى «الرفاق» في الإقليم المتمرّد على أن بكين «تريد تحقيق توحيد سلمي، لكنها لن تترك مجالاً للنشاط الانفصالي»، و«تحتفظ بخيار اتباع جميع الوسائل الضرورية». دعوةٌ ردّت عليها رئيسة تايوان، تساي إينغ-وين، التي ترفض الاعتراف بمبدأ «الصين الواحدة»، بالتحذير من أن الجزيرة لن تقبل بسياسة «دولة واحدة ونظامين»، المطبّقة في هونغ كونغ وماكاو.
في تقرير لمجلة «ذي ناشونال إنترست» يعود إلى عام 2018، يرى الباحث في شؤون الأمن القومي في كلية الحرب البحرية الأميركية، بول سميث، أن قضية تايوان التي طال أمدها ستكلّف أميركا والصين كثيراً. ويوضح أن القضية مستمرة من دون تسوية نهائية، مع ما يعنيه ذلك من حضور قوي للسيناريو العسكري. وما يجري يتّسق، بنظره، مع نمط تاريخي متواصل منذ عام 1950، حين نشر الرئيس الأميركي الأسبق، هاري ترومان، الأسطول السابع في مضيق تايوان، ثم تكرّر السيناريو الأميركي في عام 1954، عندما بدأت الصين قصف إحدى الجزر التايوانية القريبة منها بالمدفعية. وفي عام 1958، هدّدت الصين بعمل عسكري ضدّ تايوان، وردّت أميركا بتقديم مساعدات عسكرية لحليفتها، ما ساعد في التخفيف من حدّة ما أصبح يُعرف لاحقاً بـ«الأزمة الثانية» لمضيق تايوان. وجرت أحدث أزمات المضيق بين عامي 1995 و1996، حين كانت الصين تجري تجارب صاروخية حول المضيق.