أكد الاتحاد الأوروبي، على لسان وزيرة خارجيته فدريكا موغريني، رغبته في إنقاذ الاتفاق النووي بأي ثمن، لكنّ الهامش كبير بين إعلان النيات والأفعال الحقيقية. فعلى مدى الأشهر الأخيرة، تبين عجز الدول الأوروبية عن تأكيد احترام تطبيق الاتفاق ومواجهة نظام العقوبات غير القانونية المفروضة من الولايات المتحدة. الأمر لا يتعلّق بأنّ هذه الدول لم تُظهر أي إرادة سياسية كافية لتنظيم نفسها، والانخراط في ردّ حازم على النظام الأحادي الجانب الذي يفرضه الأميركيون والذي يضرّ مصالحها الاقتصادية، فقط، بل أيضاً هي تستدير، في أقصى أوقات الأزمة، إلى إيران لحثّها على احترام عتبة تخصيب اليورانيوم المحدّدة في الاتفاق، كما تحاول انتزاع تنازلات منها!رئيس الدبلوماسية البريطانية، جيريمي هانت، أعلن بالفعل الرغبة في إعطاء طهران «فرصة لتغيير إجراءاتها التي تتعارض مع التزاماتها»، في الوقت الذي احتجز فيه البريطانيون، الموقّعون على الاتفاق النووي، ناقلة النفط الإيرانية في مضيق جبل طارق، المشتبه في أنها انتهكت العقوبات ضد سوريا. بالنسبة إلى ديدييه لوروي، وهو باحث في «المعهد العالي الملكي للدفاع» وفي «مركز الدراسات والتعاون الدولي والتنمية» التابع للجامعة الحرّة في بروكسل، إذا كانت الملفات الدبلوماسية للاتفاق النووي والحرب في سوريا منفصلة، وإذا كانت لندن تعتزم فرض العقوبات على دمشق بينما تدعم الاتفاق النووي، فإن «التوقيت والظروف تدفع إلى طرح أسئلة».
«احتجاز الناقلة مُدّد شهراً على رغم شكوك جوفاء إلى حدّ ما في السياق الأوسع، حيث تصطدم الولايات المتحدة بإيران بأسلوب عنيف جداً. من الواضح أن البريطانيين مصطفّون (مع واشنطن) أكثر من الدول الأوروبية الأخرى»، يقول لوروي: «عَجزُ الأوروبيين عن وضع حدود لحماية مصالحهم، أو اتخاذ إجراءات رادعة تجعل العقوبات غير فعّالة في الأراضي الأوروبية، أمرٌ مرتبط بالرؤى المتباينة جداً لدى هذه الدول التي تتجاوز وحدة القيم المُعلَنة... رغم الرغبة الحقيقية في تعددية الأطراف والانفتاح، فإن الاتفاق مع إيران لا يمرّ أبداً على حساب الرابط عبر المحيط الأطلسي».
أما الباحث في جامعة لييج، كمال بيرم زاده، فيشير إلى نقص الرغبة السياسية في مقاومة الولايات المتحدة رغم المصلحة المشتركة في إنقاذ الاتفاق. وفي هذا السياق، استُقبلت مبادرة الوساطة الفرنسية لمحاولة نزع فتيل التوتر الذي يتفاقم بتشكيك من العديد من المراقبين.
وبالنسبة إلى لوروي، يجب الأخذ بالاعتبار تراتبية الجهات الفاعلة الموجودة، وحقيقة أن الجهود الدبلوماسية ليس لديها إلا أثر قليل في مواجهة تقارب المشاعر والمصالح الموجود حالياً بين الولايات المتحدة وبريطانيا، وممالك النفط وإسرائيل. «هناك تقارب تام في ما يتعلق بإيران بين (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب، و(ولي العهد السعودي) محمد بن سلمان، و(رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين) نتنياهو، وسياسة تفكيك إنجازات إدارة (الرئيس الأميركي السابق باراك) أوباما. عندما ننظر إلى الوراء، نرى الانفتاح الذي يجسّده أوباما تجاه إيران على أنه شيء استثنائي للغاية، فيما يبقى التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل وممالك النفط، حقيقة ثقيلة تتجاوز كل الإدارات. للأسف، أظن أنه لن يكون هناك تحوّل 180 درجة بعد ولاية ترامب مهما كانت الإدارة؛ ميزان القوى لن يسمح للديموقراطيين بإعادة طرح كل المسائل»، يقول الباحث نفسه.
لذا، يقف الأوروبيون ضمن ترتيب يبحثون فيه عن توازن معقّد، ويسعون إلى تبنّي موقف أبعد عن الخط العدائي لإدارة ترامب، لكن بوجود رافعة نفوذ محدودة للغاية. «الاتحاد الأوروبي ليس لاعباً عسكرياً، ولكن في إطار الصراع الإيراني ـــ السعودي والإيراني ــــ الإسرائيلي، يجري التعامل مع المناورات وفق النطاق العسكري، بالمعنى الدقيق»، يشدّد لوروي. مع ذلك، إن التصعيد بالملليمتر بعد الملليمتر يبقى مسيطَراً عليه، فيما يبقى من غير المحتمل نشوب حريق كبير، كما يرى. ويضيف: «على رغم أننا لسنا في مأمن من الانزلاق، فإن أياً من الجهات الفاعلة ليس لديه المصلحة في بدء حرب مفتوحة».
بالعودة إلى كمال بيرم زاده، وانطلاقاً من وجهة النظر السابقة، فإن الاتحاد الأوروبي، رغم تناقضاته مع روسيا وسياسته العقابية تجاه موسكو، يمكن أن يتقارب مع الروس والصينيين بشأن الملف الإيراني. الثلاثة مدافعون عن نهج متعدّد الأطراف، ولديهم مصلحة في حلّ سلمي للأزمة.