داوود أوغلو: حتى لو أغلقوا كل باب، فسنفتح باباً جديداً ولن نسكت
ليس من سبب واضح لإيقاف البرنامجين، لكن قد يكون السبب واحداً من اثنين أو كليهما: الأول، هو انتقاد داوود أوغلو لقمع الحريات الصحافية في تركيا، واعتباره أن «الرقابة الذاتية أسوأ من الرقابة الخارجية. الرقابة الذاتية تدمّر شخصية الإنسان. والمشكلة الأولى في العالم الإسلامي انعدام حرية التعبير». وقال إنه بذل جهوداً كبيرة للتعبير عن رأيه في التعديلات الدستورية لتغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي، لكن أحداً لم يتجاوب ولم يجرؤ على إجراء مقابلة معه. وأضاف: «عندما تكون هناك حرية تعبير تُحلّ كل المشكلات، وإذا فُقدت فلن تحل مشكلة واحدة... إننا نمرّ في المرحلة الأكثف من الرقابة الذاتية». وبذلك، ضاقت السبل أمام السلطة وعاقبت الذين أجروا المقابلة. ومما قاله داوود أوغلو من كلام لافت، أن رجب طيب أردوغان كان يريد منه أن يتصرف «كما لو أنه رئيس للحكومة وليس رئيساً فعلياً للحكومة»، وهو ما كان يرفضه، قائلاً إنه عارض منذ اللحظة الأولى التحالف بين حزب «العدالة والتنمية» وحزب «الحركة القومية»، و«قلت لأردوغان ذلك منذ اللحظة الأولى».
السبب الثاني المحتمل، علاقة روسيا بالموضوع، حيث يقال إن إعطاء البرنامج أولوية لمناقشة صفقة صواريخ «أس 400» كان وراء انزعاج موسكو، التي أوعزت إلى إدارة «سبوتنيك» بإغلاق البرنامجين. وقد تعجّب أحمد حاقان في صحيفة «حرييت» من «اندهاش البعض من خطوة الإغلاق، إذ إن أحداً لا ينتظر من فلاديمير بوتين موقفاً مدافعاً عن حرية التعبير والصحافة». أما الكاتب المعارض والشهير، حسن جمال، فكتب: «لقد جاءت التعليمات من موسكو... لكن لا بوتين ولا دولت باهتشلي (زعيم حزب الحركة القومية) سينقذان أردوغان».
على الرغم من هذه الحادثة، فإن البعض لا يرى أن أحمد داوود أوغلو يسعى جدياً ليكون منافساً لأردوغان أو لتشكيل حزب جديد. فالكاتب الإسلامي المعروف، أحمد طاش غيتيرين، يرى في صحيفة «قرار» أن داوود أوغلو لا يزال يتحدث كواحد من «داخل» حزب «العدالة والتنمية». ولو استُدعي، وفقاً للبعض، ليتولى رئاسة الحزب لهرع إليها (علماً أن أردوغان هو نفسه، بموجب الدستور الجديد، رئيس الحزب، ولكن بعد هزيمة إسطنبول البلدية، بدأ النقاش حول إمكانية الفصل بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحزب)، مع أنه يرفض التهمة الموجهة إليه بأنه يريد «العدالة والتنمية» بدون أردوغان. ويرى آخرون أن على داوود أوغلو، إذا كان يريد أن يبلور تموضعه، أن يتحدث بوضوح كمعارض، في حين أنه في المقابلة لم يجب عن تحرك علي باباجان وعبد الله غول، ولماذا لا ينسق معهما، بل تمنى لو أن الحزب الحاكم «يعيد إصلاح نفسه».
تطرح هذه «الحوادث» مأزق المعارضة التركية الآتية تحديداً من رحم «الحالة الإسلامية». فداوود أوغلو نفسه قال في المقابلة إن سياسة تركيا تجاه سوريا مسؤولية مشتركة بينه وبين أردوغان وغول. وهذا يفتح باب الشك في ما إذا كان الفارق الأيديولوجي قائماً بالفعل بين معارضة الثلاثي علي باباجان ـــ عبد الله غول ــــ أحمد داوود أوغلو، وبين رجب طيب أردوغان، ليكونوا بديلاً فعلياً منه. وتجربة أكمل الدين إحسان أوغلو، الإسلامي، في الترشح لرئاسة الجمهورية ضد أردوغان عام 2014 كمرشح للمعارضة كانت فضيحة بحد ذاتها، حيث نال 38.5% فقط من الأصوات، مقابل 51.7% لأردوغان، بعدما لم يصوت له الكثيرون من العلمانيين ومعظم الأكراد والقوميين، لأنهم لم يروا فيه بديلاً جدياً، بل مجرد «نسخة أخرى» من أردوغان، على الرغم من أن الحديث طفا حينها عن دعم سعودي ــــ مصري ــــ إماراتي له. لذلك، إن مثل هذه «الظواهر» قد لا تكون صوتية، لكنها غير قادرة على أن تكون بديلة. وما يمكن أن تفعله، إضعاف أردوغان وقضم جزء من قاعدة حزب «العدالة والتنمية»، وقد تكون كافية للمساهمة في نجاح مرشح جدي علماني حقيقي من المعارضة في حال توحدها.