في عشر دقائق، توجّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الأميركيين بخطاب متوازن، رداً على مجزرتَي نهاية الأسبوع، اللتين راح ضحيتهما 29 شخصاً، إذ سعى إلى إرضاء المعسكرين: مناصريه ورافضيه. دان ترامب ما وصفها بـ«نزعة تفوّق العرق الأبيض»، الاصطلاح الذي راج كثيراً بعد حادثة شارلوتسفيل الشهيرة في 2017، ودعا إلى الوحدة الوطنية في مواجهة جرائم القتل الجماعي، ملقياً باللوم على الإنترنت وألعاب الفيديو و«الأمراض العقلية».لن تكون لجريمَتي تكساس وأوهايو تبعات على الانقسام الأيديولوجي حول اقتناء السلاح الفردي، الذي أصبح من أكثر القضايا حساسية في المجتمع الأميركي. ستمرّان كغيرهما من جرائم القتل الجماعي التي تتكرّر عاماً بعد آخر، ورئيساً بعد رئيس، من دون أن يقدم أحد على رسم أطرٍ واضحة تضع حدّاً للسلاح المتفلّت. وليس غريباً أن يردّ ترامب، الذي عمل خلال حملته الانتخابية على حماية لوبي السلاح والدفاع عن «حق» المواطنين في حيازته، بالطريقة التي تتناسب وأجندته السياسية. فهو لم يخرج عن النص. قرأ بياناً مقتضباً كُتب بعناية، دان فيه ما وصفها بـ«نزعة تفوّق العرق الأبيض»، مع الإشارة إلى التهديد الذي تشكّله «الكراهية والعنصرية»، لكنه وضع حلولاً بديلة لتحسين الصحة النفسية للأفراد، كونه يرى في «الأمراض العقلية» سبباً رئيساً لهذه لجرائم.
في كلمته إلى الأمة، التي أعقبت جريَمتي إل باسو (تكساس) ودايتون (أوهايو)، قال ترامب: «بصوت واحد، يجب على أمّتنا أن تدين العنصرية والتعصّب ونزعة تفوق العرق الأبيض... الكراهية ليس لها مكان في أميركا». لكنه لم يصل حدّ المطالبة بوضع تدابير تكافح السلاح المنتشر أو تنظّم حيازته. بدلاً من ذلك، دعا إلى اتخاذ إجراءات لمعالجة «الأمراض العقلية»، والعنف في وسائل الإعلام والألعاب الإلكترونية، محذراً من «مخاطر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي». ومِن غرفة الاستقبال الدبلوماسي في البيت الأبيض، قرأ ترامب نصّاً مُعدّاً من على جهاز التوجيه أمامه، مندّداً بـ«المانيفستو الرهيب المناهض لذوي الأصول الإسبانية» الذي نشره مُطلق النار في إل باسو على الإنترنت، باعتباره جزءاً من «العدوى الشريرة» التي تنتشر عبر الويب. «هذه المجازر الهمجية هي اعتداء على مجتمعاتنا، وهجوم على أمّتنا، وجريمة ضد الإنسانية جمعاء»، أضاف.
لم يقدّم ترامب أيّ اقتراح في شأن تشديد القوانين الأميركية إزاء امتلاك أسلحة


وكرّر الرئيس الأميركي تأييده لما يسمى قوانين «العلم الأحمر» التي تسمح للسلطات بمصادرة أسلحة من أشخاص «يشكّلون خطراً جسيماً». وقال إن على الكونغرس «ضمان عدم حصول من يشكّلون خطراً كبيراً على السلامة العامة على الأسلحة، وفي حال حصولهم عليها يكون بالإمكان نزعها منهم من خلال الإجراءات المعتمدة... ولذلك دعَوت إلى قوانين تُعرف باسم أوامر الحماية القصوى من المخاطر». وبدلاً من التركيز على التدابير الرامية إلى الحدّ من بيع الأسلحة النارية، استعرض ترامب قائمة من المقترحات التي يؤيدها الجمهوريون كبدائل، وتشمل إجراءات غير محدّدة لمعالجة «ألعاب الفيديو المروعة والمميتة» و«ثقافة تمجيد العنف»، مشدداً على أن «علينا أن نتوقّف عن تمجيد العنف في مجتمعنا، ويشمل ذلك ألعاب الفيديو الفظيعة والبشعة التي تنتشر حالياً... علينا أن ندرك أن الإنترنت وفّرت مكاناً خطيراً لتطرّف العقول المضطربة».
وشدد أيضاً على خطوات لتحديد علامات المرض العقلي التي يمكن أن تؤدي إلى العنف، والاستجابة لها بشكل أفضل، مكرراً صياغة متحفّظة مألوفة لا ترى في الأسلحة النارية المتوافرة بكثرة عاملاً رئيساً في عمليات القتل الجماعي. من هنا، رأى أنه «يجب أن نقوم بإصلاح قوانين الصحة العقلية لتحسين تحديد الأفراد المضطربين عقلياً الذين قد يرتكبون أعمال عنف، وأن نضمن حصولهم على العلاج، وليس ذلك فحسب، بل وكذلك حجزهم عنوة إذا لزم الأمر»، معتبراً أن «المرض العقلي والكراهية هما من يطلقان النار وليس البندقية». وفي حين وصف مَن يقومون بعمليات قتل جماعي بـ«الوحوش المرضى عقلياً»، أعلن أنه أصدر أمراً إلى وزارة العدل «لاقتراح قانون يضمن أن يواجه من يرتكبون جرائم كراهية وقتل جماعي عقوبة الإعدام، وتنفيذ هذه العقوبة بسرعة وبحسم، ودون سنوات من التأخير غير الضروري».
ولم يقدّم ترامب، في خطابه، أيّ اقتراح في شأن تشديد القوانين الأميركية إزاء امتلاك أسلحة كتلك التي تستخدم بشكل روتيني في عمليات القتل الجماعي، خلافاً لتغريدة كتبها في وقت سابق من يوم أمس، قال فيها إنه يجب التفكير في زيادة فحص خلفيات مشتري الأسلحة. كما تجاهل اقتراحاً آخر قدمه في تغريدة أخرى، أشار فيها إلى أن أي إصلاح لقوانين الأسلحة يجب أن يرتبط بتغييرات في قوانين الهجرة. وقال: «على الجمهوريين والديموقراطيين أن يتّحدوا وأن يقوموا بالتحقق بشكل دقيق من خلفيات الموضوع، وربما ربط قانون (السلاح) بإصلاح الهجرة الذي نحن بحاجة ماسة إليه»، مضيفاً: «يجب أن نخرج بشيء جيد، وربما عظيم، من هذين الحدثين المأساويين». وفي تغريدة ثانية، حمّل ترامب وسائل الاعلام مسؤولية تأجيج «الغضب». وكتب: «تتحمل وسائل الإعلام مسؤولية كبيرة» في شأن «الحياة والأمان في بلدنا... الأخبار الكاذبة أسهمت بشكل كبير في تأجيج الغضب والسخط اللذين تراكما خلال سنوات عديدة. على التغطية الإعلامية أن تكون متوازنة وغير منحازة، وإلا ستزداد هذه المشاكل المريعة سوءاً».