يدفع غياب الفوارق الجوهرية بين برامج الأحزاب الإسرائيلية ووعودها الانتخابية، المعلّقين العبريين، إلى اعتبار أن نزال أيلول/ سبتمبر المقبل سيكون بين ثلاثة «ليكودات»، محور خلافها الرئيس بقاء بنيامين نتنياهو أو رحيله. وفي ظلّ تتالي المؤشرات إلى أن النتائج لن تفارق ما أفضت إليه الانتخابات الماضية، لا يجد نتنياهو بدّاً من السعي إلى مكسب إضافي يسهّل عليه مهمة تشكيل الحكومة.قبل أقلّ من شهر على الانتخابات الإسرائيلية، يبدو واضحاً أن حزب «الليكود» سيفوز من دون أدنى شك، ولكن السؤال: أيُّ «ليكود»؟ الذي يترأسه بنيامين نتنياهو، أو ذاك الذي يترأسه بني غانتس؟ هذا التوصيف الوارد في أحد التقارير العبرية قبل أيام، وإن بدا ساخراً، إلا أنه توصيف دقيق، إذ إن المشهد الانتخابي الإسرائيلي يشير إلى تقلّص الخلافات بين المتنافسين، في نتيجة لمحدودية خيارات إسرائيل تجاه معظم الملفات التي كانت تدفع الأحزاب الوازنة إلى بلورة برامجها السياسية عبر رؤى مختلفة أو متباينة، وفي المقدمة الموقف من القضية الفلسطينية.
هذه المرة، مثلما كان عليه الوضع الانتخابي في دورة نيسان/ أبريل الماضية، ثمة شبه تطابق بين البرامج الانتخابية للأحزاب الإسرائيلية على اختلافها، وهو تطابق سلبي، بمعنى غياب البرامج. فالقضية الفلسطينية، التي كانت تتصدّر برامج الأحزاب ووعودها الانتخابية، غابت أو رحلت إلى أسفل سلّم الأولويات، وذلك تبعاً لتراجعها لدى الناخب الإسرائيلي، الذي بات يميل إلى التطرف واليمينية، في كل ما يتصل بالمسيرة السياسية مع الفلسطينيين، إلى حدّ تغييبها ورفضها. وعليه، تقتصر الخلافات بين الأحزاب المتنافسة على هويّات من يترأّسون اللوائح وما تتضمنه الأخيرة من أسماء، فيما يُسجّل: ابتعاد شبه تام عن المسيرة السياسية مع الفلسطينيين، وتوافق تام على أسلوب مواجهة التهديد الإيراني وما يسمى تموضع إيران في الساحات الإقليمية، وتوافق كامل على السياسات المتبعة تجاه الساحة السورية، وتطابق شامل حيال الساحة اللبنانية وضرورة الابتعاد عن إثارة التهديد الكامن فيها، وتسالم على رفض المعركة البرية مع قطاع غزة، وعلى ضرورة استمرار حصار القطاع وإضعاف فصائل المقاومة فيه، ضمن استراتيجية إدارة النزاع بلا تغييرات تُذكر.
تغيب البرامج الانتخابية المرتبطة بالملفات الرئيسة الحيوية لإسرائيل


من هنا، تُعدّ الانتخابات المقبلة، كما سابقتها، متمحورة حول شخص بنيامين نتنياهو تحديداً، ما بين مؤيد له ورافض. مع ذلك، ثمة خلاف يمكن وصفه بالجوهري شكلاً، وإن كانت دوافعه الفعلية شخصية. يدور الحديث حول شروط حزب أفيغدور ليبرمان، «إسرائيل بيتنا»، والتي تُعدّ لدى خصومه من الأحزاب الدينية «الحريدية» تعجيزية. وتتركّز تلك الشروط على موضوع الخدمة العسكرية لـ«الحريديم»، وهي شأن داخلي بامتياز، وجد ليبرمان أن رفع لافتته يؤمن له البقاء السياسي، بعدما كاد يخرج وحزبه من تحت سقف «الكنيست»، علماً بأن هذا الموضوع لم يَحُل سابقاً دون دخوله في ائتلافات تضمّ «الحريديم» في الحكومات الماضية.
في المحصلة، تغيب البرامج الانتخابية المرتبطة بالملفات الرئيسة الحيوية لإسرائيل عن خطاب الأحزاب الوازنة، ليبدو المشهد الانتخابي تنافساً داخلياً بين الحزب الواحد على رئاسة الحزب، أكثر من كونه تنافساً على مقاعد الكنيست. في الوقت نفسه، يدرك الناخب الإسرائيلي، مسبقاً، أن أي وعد انتخابي لا يعني بالضرورة في مرحلة ما بعد صدور النتائج أنه سيُنفذ كما ورد الحديث عنه في الحملات الانتخابية. تشذّ عن ذلك بطبيعة الحال وعود جملة أحزاب ذات تأثير محدود مبدئياً كـ«القائمة العربية المشتركة لفلسطينيي أراضي الـ48»، والأحزاب «الحريدية» (حزبا شاس ويهودت هتوراه)، وحزب «ميرتس» اليساري؛ إذ يمكن لناخبي هذه الأحزاب الاطمئنان مسبقاً إلى أن من صوّتوا له لن يغيّر، تقريباً، في توجهاته في مرحلة ما بعد صدور النتائج.
بالعودة إلى الأحزاب الوازنة التي تُطلَق عليها توصيفات يمين ويمين متطرف ووسط ويمين وسط ويسار وسط، لا توجد خلافات مفاهيمية بينها حول الملفات الحيوية لإسرائيل في ما يرتبط بالأمن والسياسة الخارجية. غيابٌ يدفع البعض إلى القول إن الانتخابات تدور بين «الليكود أ» برئاسة نتنياهو والتابعين له إلى الآن في لائحة حزبه، و«الليكود ب» برئاسة بني غانتس ويائير لابيد وموشيه يعلون، في حين أن غابي أشكناني من الحزب نفسه ضابط بلا جنود. إضافة إلى هذين الحزبين «الليكوديَّين»، يبرز أيضاً «الليكود ج»، وهو الذي يجمع الأحزاب والتجمعات الدينية القومية الصهيونية المتطرفة. والخلاف بين الأحزاب الثلاثة، التي هي كلها «ليكودات» لجهة برامجها السياسية الفعلية، هو كما الخلاف بين صلاحيات وزارة الخارجية ووزارة الشؤون الخارجية، من دون أي قانون أو عرف يفصلهما. على ذلك، تصحّ تسمية الانتخابات بأنها استفتاء جماهيري، عن طريق انتخابات نسبية، على بقاء نتنياهو أو رحيله.
يشير الإعلام العبري (موقع واللا ــــ 04/08/2019) إلى أن استطلاعاً للرأي لم يُخصَّص لنشره في الإعلام، أجرته مجموعة «geokg Knowledge Group» في تل أبيب، وجاءت أسئلته مباشرة وواضحة ولا تؤثر مسبقاً في إجابات المستطلَعة آراؤهم، أظهر أن غالبية طفيفة جداً من الجمهور الإسرائيلي ذات موقف سلبي من بقاء نتنياهو رئيساً للوزراء (51 في المئة يرفضونه مقابل 49 في المئة يؤيدون بقاءه). يشي هذا الاستطلاع بأن نتيجة انتخابات نيسان/ أبريل الماضي ستتكرر في انتخابات أيلول/ سبتمبر المقبل، ولعلّ ذلك هو ما يجعل نتنياهو مدركاً أن مقعداً بالزائد أو بالناقص في الكنيست المقبل قد يحدّد مستقبله السياسي بل والجنائي أيضاً، ولا يبعد أن يكون هذا الهاجس هو الذي دفعه إلى التجوال في عواصم خارجية لالتقاط الصور مع زعمائها، إذ عليه تفخيم صورته وتظهير تأثيره في الخارج، من أجل جلب المقعد المذكور الذي حال بينه وبين تشكيل الحكومة عقب الانتخابات السابقة.