2- تطوير بدائل لقاعدة «أنجرليك» الجوية، لأن الاحتياجات السياسية الداخلية لأردوغان تُوجّه سياسة تركيا الخارجية... كذلك إن استخدام القاعدة لدعم مصالح الولايات المتحدة لم يعد مضموناً.
3- رفض مطالب تركيا بإنهاء الولايات المتحدة علاقاتها العسكرية مع «وحدات حماية الشعب الكردية».
4- اتخاذ موقف عام أقوى من السياسات التركية التي تقوّض السياسة الأميركية.
بالغ صنّاع السياسة في واشنطن وخارجها في تقدير قدرات أنقرة
قدّم ستيفن كوك مطالعته الطويلة هذه بعد شهر على إطلاق سراح برونسون الذي سبّب احتجازه في تركيا أزمة دبلوماسية بين الجانبين، وقبل أشهر من تسلّم أنقرة منظومة الصواريخ الروسية «إس 400» وردّ واشنطن على ذلك بتعليق مشاركتها في برنامج «إف 35» في إجراء عقابي. وعليه، يُنظر إلى صفقة «إس 400» على أنها نتيجة لتوتّر العلاقات، وليست سبباً لها. في تقديمه الورقة البحثية المذكورة، يرى مدير «مجلس العلاقات الخارجية»، ريتشارد هاس، أن الوقت قد حان لتعيد واشنطن تقييم النهج الذي تتبعه تجاه أنقرة، إذ إن «ما نشهده هو الزوال التدريجي، ولكن الثابت لهذه العلاقة». وعلى الرغم من أن العلاقات بين البلدين كان لها نصيبها الدائم من التوترات، فإن «التهديد» المزدوج الذي مثّله الاتحاد السوفياتي، وفق هاس، سمح لهما بالتغلب على تلك الخلافات. ولكن بعد مرور نحو 30 عاماً على الحرب الباردة، غالباً ما تجد الولايات المتحدة وتركيا نفسيهما على جوانب مختلفة لمجموعة متنوعة من القضايا المهمة، ليخلص إلى أن تركيا «ليست حليفةً حقيقية»، كذلك فإنها ليست منافساً استراتيجياً لأميركا أو عدوة لها. هي، كما يقول كوك، «خصمٌ يكرَه قادته هيمنة الولايات المتحدة...».
سياق العلاقات
لم تكن العلاقات التركية ـــ الأميركية، تاريخياً، بالدفء الذي تُذكَر به. جملة تصدُّعات يمكن ذكرها في هذا السياق: قرار إدارة الرئيس جون كيندي في نيسان/ أبريل 1963 تعطيل الصواريخ النووية متوسطة المدى من طراز «جوبيتر»، ومن دون الرجوع إلى أنقرة، في مقابل سحب السوفيات صواريخهم النووية من كوبا، الأمر الذي أثار استياء الأتراك، لكونه وضع بلادهم في الخندق ذاته مع كوبا التي تعامَل معها السوفيات بالمنطق ذاته؛ الرسالة التي وجّهها الرئيس ليندون جونسون، إلى رئيس الوزراء التركي عصمت إينونو، وحذّر فيها تركيا من «التدخل» في قبرص و«احتلالها»، وصولاً إلى «احتلال» قبرص في عام 1974، وردّ واشنطن بحظر توريد الأسلحة إلى أنقرة، فضلاً عن المساعدة العسكرية التي وفرتها الولايات المتحدة لليونان للتحقُّق من طموحات تركيا في بحر إيجه؛ والمناوشات الدبلوماسية المنتظمة حول الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن في عام 1915.
منذ الخمسينيات، تعامل الرؤساء الأميركيون مع تركيا كحليف رئيس. وطوال فترة الحرب الباردة، أدّى التعاون الأمني الوثيق بين البلدين دوراً مهماً في احتواء الاتحاد السوفياتي. وعلى رغم الصعوبات التي اعترت عقود الشراكة، فإن «التهديد» الذي شكّله السوفيات لكلا البلدين كان كفيلاً بألا تؤثر الأزمات الأخرى بالعلاقة الثنائية أو عضوية تركيا في «الناتو». هذا المُحدّد، الموروث من شراكة الحرب الباردة، يستمرّ في تأطير مناقشات السياسة الأميركية في شأن تركيا، التي غالباً ما يُشار إليها على أنها حليف استراتيجي. ومع ذلك، فإن الحلف الأميركي ــــ التركي القديم لا يعني بأي حال استمرار الشراكة في المستقبل؛ لكون العالم تغيّر إلى حدّ كبير منذ انتهاء الحرب الباردة، وباتت التحولات في السياسة العالمية والأميركية والتركية، على مدار العقود الثلاثة الماضية، تتطلب إعادة تقييم العلاقة بين البلدين.
تعمل تركيا على تنويع شراكاتها الدولية بما يخدم مصالحها الظرفية
في التسعينيات، اعتقد المسؤولون والمحللون الأميركيون أن تركيا في وضع فريد يسمح لها بتوجيه التنمية الاقتصادية و«إرساء الديموقراطية» في دول آسيا الوسطى المستقلّة حديثاً. خلال تلك الفترة أيضاً، أدت العلاقات الأمنية السريعة التطوّر بينها وبين إسرائيل إلى ظهور فكرة مفادها أن الأميركيين والإسرائيليين والأتراك سيكونون شركاء في أمن منطقة شرقيّ المتوسط واستقرارها، فضلاً عن أن أنقرة يمكن أن تكون مُيسّراً للسلام الإقليمي. وبعد مدّة قصيرة من تولي كوندوليزا رايس منصب «الخارجية» بداية عام 2005، توجّهت إلى تركيا، حيث أعلنت أن واشنطن وأنقرة تتمتعان «بعلاقة استراتيجية مهمة للغاية» قائمة على المصالح المشتركة، و«النظرة المشتركة للمستقبل»، و«القيم المشتركة». إبّان ذلك، بدأت أجندة «الحرية» التي أطلقها جورج دبليو بوش، ومفهوم أن تكون تركيا «نموذجاً» لمجتمع إسلامي «متحرّر ومتطور»، تظهر في المناقشات والتحليلات السياسية داخل الولايات المتحدة. بنَت إدارة باراك أوباما على هذه الفكرة، خصوصاً بعد انتفاضات «الربيع العربي». وعلى رغم تحمّس مجتمع السياسة الأميركي لها، أثبتت تركيا عجزها عن التأثير في دول آسيا الوسطى، أو توفير القيادة في المنطقة، إلى جانب أنها لم تسهّل «السلام». سقطت فكرة «النموذج» حين بالغ صنّاع السياسة في واشنطن وخارجها في تقدير قدرات أنقرة، وقلّلوا من شأن الموروثات التاريخية للهيمنة العثمانية على المجتمعات المذكورة.
في ورقة تفصيلية أخرى نُشرت في «خدمات أبحاث الكونغرس»، التابع للكونغرس الأميركي، يشار إلى أن البلدين يشتركان فعلاً في بعض المصالح الحيوية، غير أن تنسيق أولوياتهما كان صعباً في السنوات الأخيرة. لكن تركيا تُبقي على علاقات أمنية واقتصادية ومؤسساتية أساسية مع الدول الغربية، كما يتضح من بعض الأصول العسكرية الأميركية الرئيسة المتمركزة في هذا البلد، فضلاً عن علاقاتها التجارية القوية مع الاتحاد الأوروبي. في نيسان/ أبريل الماضي، سأل نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، علناً، عمّا إذا كانت تركيا تريد أن «تظل شريكاً حاسماً في أنجح تحالف عسكري في التاريخ»، أو أنها «ستخاطر بأمن تلك الشراكة»؟ الأكيد أنها ستبقى عضواً مهماً في «الناتو»؛ فهي كما قال الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، أخيراً، «أكثر بكثير من مجرد صفقة إس 400».