أعادت تصريحات الرئيس الإيراني، حسن روحاني، تصويب بوصلة «تفاؤل» جارف اجتاح المراقبين جراء مخرجات قمم «مجموعة السبع» في بياريتس. إذ قال أمس إن بلاده مستعدة دائماً لإجراء محادثات، «لكن ينبغي لواشنطن أولاً أن تتحرك برفع كل العقوبات غير المشروعة». وأشار إلى الحديث عن إمكانية لقاء الرئيس الأميركي بالقول: «إذا كان أحدهم يريد اللقاء لمجرد التقاط صورة فهذا غير مقبول». لا يمكن إغفال الخلافات الإيرانية الداخلية حول آليات التفاوض وحيثياته، وخصوصاً إذا ما تضمّنت سابقة «المصافحة». إلا أن العارفين بالأمور في طهران يؤكدون أن هذه النقاشات تبقى تحت سقف يمكن ضبطه والتفاهم عليه، وهو ما تؤكده تجربة النشاط الراهن لكل المؤسسات بتناغم كبير، والتي تتقاطع عند هدف مشترك: التحضير جيداً للمفاوضات على طريقة أن لا مفاوضات قد تأتي. مواقف روحاني، ومع أنها فرضت خريطة طريق لأي اتفاق مع الولايات المتحدة، إلا أنها تركت باب التفاوض مفتوحاً على رغم تلاوة الشروط، وهو ما يقود إلى أن طهران وإن اقتربت خطوة من استعدادها للتفاوض من موقع قوة بعدما أفرغت سياسة «المقاومة الفاعلة»، بنسبة لا بأس بها، حملة «الضغوط القصوى» الأميركية من مضمونها، فإنها لا تستعجل الحوار، وتريد للمزيد من أوراقها أن تتكدّس على الطاولة. يعني ذلك أن برنامج «الصمود» الإيراني بدأ يدخل مرحلة جديدة، انحسرت أمامه الشروط الأميركية الـ 12، وبات التركيز الإيراني على ملفين: تحييد البرنامج الصاروخي، وإيقاف ما تسمّيه طهران «الحرب التجارية» من خلال عودة تصدير النفط إلى سابق عهده. المصرّون على «التفاؤل» سينتظرون في المرحلة الجديدة أن يتقدّم الطرفان خطوات بطيئة، كأن تتساهل واشنطن في عقوباتها ولو بطريقة إعادة الإعفاءات والسماح بالآلية الأوروبية، وتحترم الاتفاق النووي ولو من دون عودة إليه. في المقابل: تهدئة إيرانية وتراجع عن الخطوات النووية المرتقبة للتخفف أكثر من التزامات الاتفاق. هذا المسار، إذا ما استمرّ، سيثبت أن تحولاً يجري في البيت الأبيض، يتجاوز النجاح الدبلوماسي للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مضمونه أن الرئيس دونالد ترامب خفّض من سقف توقّعاته ويستعجل اتفاقاً قبيل الانتخابات بأي ثمن، وهو ما يتوقّف إنجازه على تجاهل ملف البرنامج الصاروخي. تحوّل لن يسرّ بحال تل أبيب المصعِّدة أمنياً وعسكرياً، حتى وإن لم يصل الأمر إلى المفاوضات المباشرة ولقاء الرئيسين أو وزيري الخارجية، فهو ينقل الاهتمام من نقاط تراعي الأمن القومي الإسرائيلي إلى صفقة أخرى ستكون من جديد غير خاسرة في الحسابات الإيرانية. لكن مقابل السيناريو «المتفائل»، يشدد البعض على صعوبة تجاوز ترامب ملف الصواريخ، الأهم بالنسبة الى حملته ضد طهران، على اعتبار عدم إمكانية الفصل بين الإدارة الحالية والمصالح الإسرائيلية. في الخلاصة، يمكن القول إن اجتماعات بياريتس صنعت «باباً» للمفاوضات، لكن هذا الباب لا يزال مقفلاً، وفتحه «في ملعب ترامب» كما قال روحاني أمس.