من المبكر الحديث عن قرب تشكيل الحكومة الإسرائيلية، على رغم الإشارات الواردة من تل أبيب إلى أن الفرصة متاحة للاتفاق على «حكومة وحدة» برئاسة حزبَي «الليكود» و«أزرق أبيض». الواضح أن التفاؤل الظاهري يُغيّب العراقيل التي من شأنها منع التشكيل، وهي كبيرة إلى الحدّ الذي يجعل فرص قيام «حكومة وحدة» لا تعادل أرجحية فشلها، خاصة أن التناقضات والشروط المتبادلة بين الطرفين كبيرة إلى حدّ ربما منع التوصل إلى اتفاق. واللقاء الذي جمع أمس وفدَي الحزبين لبدء مسار تفاوضي، تحوّل إلى سجال دار حول صفة وفد «الليكود» الذي أصرّ على أنه يفاوض نيابة عن كتلة اليمين مجتمعة، فيما أصرّ وفد «أزرق أبيض» على أنه يلقاه بوصفه ممثلاً عن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وحزبه (أي «الليكود»)، دون غيره من الأحزاب اليمينية و«الحريدية»، لينتهي اللقاء بلا نتيجة.مع ذلك، من المبكر حسم ما إذا كان التفاوض قد استقرّ على الفشل، أو أن الطرفين سيعمدان لاحقاً إلى استئناف المحادثات، أو سيتوجهان إلى الرئيس رؤوفين ريفلين، لتكليف أيٍّ منهما تشكيلَ الحكومة. وفي حال إصرار الأطراف على مواقفها وشروطها، لن يتمكن من سيُكلَّف، سواء كان نتنياهو أو بني غانتس، من تشكيل الحكومة. من المهم هنا القول إن الحديث عن اتفاق على «حكومة وحدة» لا يعني أنها ستُشكّل بالفعل، وإن كانت السيناريو الأكثر احتمالاً قياساً بغيره من السيناريوات المتعثرة عملياً. كذلك، لا يعني تكليف نتنياهو أو غانتس أن الحكومة ستُشكّل فعلاً برئاسة أيّ منهما، بل من الخطأ الاعتقاد أن التكليف يعني أن المكلَّف (وحزبه) بات الفائز في الانتخابات بمفعول رجعي. فالتكليف شيء، والتشكيل شيء، بل إن نتيجة الانتخابات قد تعني أن التكليف أولاً خسارة وليس فوزاً.
استناداً إلى ذلك، يحبّذ «أزرق أبيض» أن يكلّف ريفلين نتنياهو أولاً، ثم بعد فشل الأخير يصار إلى تكليف غانتس (ثانياً)، مع شبه اطمئنان إلى أن التكليف الثاني سيكون مواتياً أكثر ويحمل إمكانية نجاح أعلى. يقابل ذلك، كما يرد من مقرّبي نتنياهو، أنه يعتقد أن التكليف الأول المتمحور حول «حكومة وحدة» كما هو الآن سيفشل، وكذلك التكليف الثاني الذي يفضّل أن يكون لغانتس، فيما سيكون هو المكلّف ثالثاً، وهنا ستكون لديه فرصة أعلى لتشكيل حكومة.
إن لم يكن نتنياهو رئيساً للحكومة، فأرجحية دخوله السجن مرتفعة


في المقابل، تشير موازين القوى إلى ما يأتي:
- لا توجد فرصة لدى غانتس لأن يشكل حكومة برئاسته ما لم تكن «حكومة وحدة» بالتناوب؛ إذ ليس لدى كتلة الوسط - اليسار العدد المطلوب من المقاعد للتشكيل، وعليه سيكون غانتس بحاجة إلى جمع الأضداد، أي الائتلاف مع «إسرائيل بيتنا» و«القائمة المشتركة»، وهو سيناريو غير ممكن عملياً.
- الأمر نفسه يتكرر (لكن مع أفضلية) لدى نتنياهو غير القادر على تشكيل حكومة برئاسته، وإن كان إرضاء رئيس «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، عبر تليين موقف الأول وموقف الأحزاب «الحريدية» من مطالب الأخير غير ممتنع بالمطلق.
- يبقى أخيراً سيناريوان: «حكومة وحدة»، أو التوجه من جديد إلى انتخابات ثالثة. ويعترض السيناريو الأول («حكومة وحدة») المطلب الأهم لدى نتنياهو، والمتمثل بأن يكون هو، وليس غانتس، رئيس الحكومة الأول بموجب التناوب الذي يأتي نتيجة التوافق على الوحدة (عامان لكل منهما). وفي المقابل، لدى غانتس المطلب نفسه، أي أن يكون الأول. ولكل من الرجلين أسبابه ومخاوفه من أن يكون الثاني؛ فنتنياهو مثلاً تتيح له صفة رئيس الحكومة النجاة من لوائح اتهام ضده بتهم فساد ورشى بات من المؤكد أنها ستصدر قريباً، إذ لو جاء الاتهام وصفته وزير، ستجب عليه الاستقالة والانقياد للمسار القضائي، لكن إن جاء وصفته رئيس للحكومة، فهو غير مجبر على التنحّي ما لم يصدر حكم نهائي بإدانته، وهذا من غير المعلوم متى يصدر. كذلك، تعترض سيناريو «الوحدة» التزامات لدى الطرفين، ربما تعذّر تجاوزها، ذلك أن الشريك الكبير في «أزرق أبيض»، وهو حزب «يش عتيد» برئاسة يائير لابيد، لن يشارك في حكومة تجمعه بالأحزاب «الحريدية»، كذلك فإن الأخيرة ترفض الائتلاف مع لابيد، فيما نتنياهو ملزمٌ بأن يرافقه «الحريديم» والأكثر تطرفاً في اليمين في سيناريوات «حكومة وحدة» أو غيرها. أما السيناريو الثاني (الانتخابات الثالثة)، فهو تكرار لما حدث في الانتخابات الأخيرة وقبلها، الأمر الذي يخشاه الجميع (كلّ من موقعه وحساباته)، ولا أحد يريد أن يكون متهماً بأنه سبّبه.
في المحصلة، من المبكر تقدير مسار تشكيل الحكومة وأيّ طرف سيكون رئيسها، وإذا ما كانت بلون واحد أو «حكومة وحدة». المؤكد أن تكليف نتنياهو أو غانتس لا يعني بالضرورة نجاحه في التشكيل، والمؤكد أكثر أن نتنياهو، إن لم يكن رئيساً للحكومة، فإن أرجحية دخوله السجن مرتفعة جداً.