بطبيعة الحال، إن الفترة التي تفصل تركيا عن انتخابات الرئاسة المقبلة في عام 2023 لا تزال طويلة جداً، في بلد يشهد دينامية كبيرة وصراعات عميقة وتنوعاً سياسياً. مع هذا، فإن الكثير من القوى يتعاطى منذ الآن على قاعدة التحسب للمفاجآت، ومن ذلك إجراء انتخابات رئاسية مبكرة قبل موعدها قد تفرضها حسابات انتخابية لإردوغان أو ظروف سياسية واجتماعية ضاغطة، وخصوصاً في ظلّ الحراكات المكثفة التي تشهدها الساحة السياسية. ومنه أيضاً توقع تشكيل أحزاب جديدة تنبثق من رحم حزب «العدالة والتنمية» يقودها أحمد داود أوغلو وعبد الله غول وعلي باباجان.
يسعى إردوغان إلى تحشيد الأوراق ومحاولة حلّ المشكلات التي يتذمّر منها المواطنون
يراهن إردوغان على عامل الوقت، وتجاوز العوامل التي تجعل فئة من الناخبين تنتقل من تأييدها له إلى معارضته. ولذا، يسعى إلى تحشيد الأوراق ومحاولة حلّ المشكلات التي يتذمّر منها المواطنون. ومن هنا، نفهم عزفه على الوتر القومي عندما يهدد باجتياح منطقة شرقي الفرات وإبعاد «الخطر الكردي» من على حدود تركيا. كما أنه يضغط على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لوقف تقدم الجيش السوري في إدلب. ففي شرقي الفرات، يهدف إردوغان، من بين أهداف أخرى، إلى إيجاد حلّ لمشكلة اللاجئين السوريين في تركيا التي تضغط بقوة عليه وهو الذي شجّعهم منذ البداية على النزوح حتى وصل عددهم اليوم إلى حوالى ثلاثة ملايين لاجئ. لكن هذه القضية باتت تشكل عبئاً كبيراً على الاقتصاد التركي وتخلق مشكلات اجتماعية حادة، بل بدأت تركيا بترحيل الكثير منهم قسراً إلى أماكن في سوريا. وإردوغان يعتقد بأن احتلال منطقة شرقي الفرات وإقامة «منطقة آمنة» سوف يساعد في حلّ المشكلة بإسكان أكثر من مليونَي لاجئ سوري هناك، فيخفف عن ظهره أحد عوامل تذمر الناخب التركي منه. أما في إدلب، فلا يريد إردوغان المزيد من المعاناة في الداخل التركي من خلال تدفق المزيد من اللاجئين السوريين، في حال مواصلة الجيش السوري تقدمه بعد خان شيخون، واستكماله تحرير باقي المناطق، وصولاً إلى الحدود التركية. كذلك، يسعى إردوغان إلى طرق كل الأبواب لتطبيع العلاقات مع واشنطن من أجل تخفيف الضغوط الاقتصادية التي تضرب العملة الوطنية والقدرة الشرائية للمواطن.
غير أن ما خرج قبل أيام على لسان القيادي والوزير السابق في حزب «العدالة والتنمية»، فاروق تشيليك، قد يكون معبّراً بكثافة عن المأزق الذي ربما يجد إردوغان لاحقاً نفسه فيه. فقد اقترح تشيليك خفض نسبة الفوز المطلوبة للمرشح لرئاسة الجمهورية في الدورة الأولى إلى 40% بدلاً من 50%، على أن تبقى نسبة الفوز في الدورة الثانية 50%، مبرراً ذلك بأن نسبة الـ 50% في الدورة الأولى «ترهق تركيا». لا يمكن لهذا الاقتراح أن يظهر ما لم يكن في الأساس هو فكرة إردوغان. لذا، أتت ردة فعل الأخير الأولية على اقتراح «جس النبض» متبنّية له، إذ قال: «إن مثل هذا الاقتراح هو من شأن المعارضة. وإذا جاء الاقتراح من المعارضة فإننا منفتحون على نقاشه». وقال: «إن مثل هذا الاقتراح يتطلب تعديلاً في الدستور، وهذا عمل البرلمان، ونحن كسلطة فقط نقوم بالأعمال التحضيرية ونجلبها إلى هنا». لكن رئيس البرلمان، مصطفى شينتوب، وهو من حزب «العدالة والتنمية»، رفض، في لعبة توزيع الأدوار مع إردوغان، اقتراح تشيليك بالقول إنه لا داعي له، ونظام الـ 50 زائداً واحداً هو الأصح، ومن لا يفوز في الدورة الأولى بـ 50% ينتقل إلى الدورة الثانية وهذا منطقي. فسّرت المعارضة الاقتراح بأنه دليل على تراجع قوة حزب «العدالة والتنمية» إلى حدود الـ 40% وربما أقل. ومن هنا، قال حزب «الشعب الجمهوري» إنه ليس في أجندته مثل ما دعا إليه تشيليك. أما «الحزب الجيد» فقد خاطب، في تغريدة، إردوغان بأنه «حتى الـ 40% لن تكفيك»، ساخراً منه باقتراح إضافة شروط جديدة للمرشح للرئاسة مثل أن تكون قامته أطول من 185 سنتم، وأن يكون ذكراً وله شارب، وأن يجعل من صهره وزيراً! والمفارقة أن الرفض جاء أيضاً من جانب رئيس حزب صغير حليف لإردوغان، هو النائب عن أنقرة مصطفى دستيجي، رئيس حزب «الاتحاد الكبير»، الذي رأى أن «الاقتراح يفقد النظام الانتخابي خصوصيته. وغداً نقترح أن تنخفض نسبة الفوز إلى 30% وهلمّ جراً. هذا أمر ليس جدياً».