تحظى المبادرة الباكستانية بفرص نجاح، يؤكدها استئناف تحركات عمران خان على خطّ طهران - الرياض. وعلى رغم المؤشرات «الإيجابية»، لم يتضح بعد ما إذا كان هدف الرسائل السعودية تسوية واسعة لا تهدئة أمنية لتجنب تكرار ضرب المملكة فقط، أو إن كان ثمة ضوء أخضر أميركي للسعودية للتصالح مع إيران. ففي غير هاتين الحالتين، تبقى دون مسعى إسلام آباد، كمسعى بغداد، الكثير من العقبات.يصل رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، إلى طهران، في زيارة تهيمن على جدول أعمالها الوساطة بين السعودية وإيران. تحمل المبادرة الباكستانية، هذه المرة، مؤشرات مهمة على إمكان إحداثها اختراقاً في جدار الأزمة الإقليمية. إذ تأتي بعد لقاءات أجراها خان مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في السعودية، إثر هجوم «أرامكو»، ومن ثم الرئيس الإيراني حسن روحاني، في نيويورك. حمل حينها الوسيط الباكستاني رسالة من ابن سلمان إلى القيادة الإيرانية، كما أعلن على هامش اجتماعات الأمم المتحدة. استئناف خان لتحركاته، وزيارته طهران اليوم، ومن ثم التوجه بعدها إلى السعودية كما أعلنت وسائل إعلام باكستانية، يعني أن ثمة إصراراً على الأقلّ على إحداث تقدّم.
ومع أن رئيس وزراء إسلام آباد كان أعلن أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، هو الآخر، طلب وساطته مع طهران، فإن فرص نجاح الوساطة تنحصر في تخفيف التوتر الإقليمي وحرب اليمن والعلاقات السعودية - الإيرانية، خصوصاً أن جولة خان الإقليمية تشمل المملكة. يحظى عمران، على رغم عدم احتكاك بلاده بأزمة الإقليم، بمواصفات تسمح له بلعب دور ربما يكون أسهل من دور الوساطة العراقية. إذ تمتلك إسلام آباد علاقات ممتازة مع الطرفين، الرياض وطهران، وفي الوقت نفسه بإمكانها أن تظهر أنها على مسافة واحدة منهما.
من شروط نجاح المبادرة أن لا تكون رسالة الرياض رغبة في تهدئة جزئية لحماية نفسها


لكن لا يبدو أن نجاح الدبلوماسية يرتبط كثيراً بطبيعة الوساطات، بقدر قرار الأطراف المعنية. بالنسبة إلى طهران، فإن المسألة محسومة: الحوار هو السبيل النهائي، حتى لو اضطرت إيران للضغط على الرياض عبر وسائل شتى لإقناعها بالحضور إلى طاولة المفاوضات، كما فعلت مع الإمارات. مع ذلك، فإن الإيرانيين يرفضون أن يقدموا أنفسهم كمتحدث باسم حلفائهم في صنعاء أو ضاغط عليهم لمنح الرياض «نصراً» مجانياً لم تستحقه في الحرب، من جهة، ويشترطون لإنجاح أي تفاوض إيقاف الحرب على اليمن عبر تفاوض يمني - سعودي. في الرياض، يختلف الأمر قليلاً، إذ إن الرؤية في شأن اليمن لا تزال ضبابية، كما أن المحاولات التي أجرتها دول كسلطنة عمان والعراق وروسيا لجمع الإيرانيين والسعوديين بقيت حتى وقت متأخر رهينة سقف القيادة الأميركية للحملة ضد طهران. تؤكد مصادر «الأخبار» أن محاولات وسطاء شق قناة دبلوماسية بين السعوديين والإيرانيين لم تصطدم بالجدار لوجستياً، بقدر ما أثّر التدخّل الأميركي اللاحق على أن تستمر لتصل إلى نتيجة.
ما الذي تغيّر الآن؟ ثمة نقاط تبرز لتؤشر على إمكانية حدوث انعطافة سعودية. منها حديث ابن سلمان الأخير عن أنه يفضل «الحل السياسي على الحل العسكري مع إيران»، وهو تكرار لمواقف الإدارة الأميركية، بعد أن اتضحت الصورة لدى الرياض، وتبيّن أن الرهان على الحملة الأميركية لن يوصل إلى نتيجة، وثبت أن واشنطن لن تغادر سقف الضغوط الاقتصادية نحو ضربة عسكرية. لم يقف الأمر عند هذا الحدّ، إذ أدرك السعوديون، بعد تصاعد العمليات اليمنية، أن توتير الأجواء الإقليمية يعود عليهم بالضرر البالغ والنتائج المعاكسة تماماً للهدف من التورط في الحرب على إيران، كما حدث في ضربة «أرامكو» وعملية نجران، فيما يترك الأميركي حليفه بلا حماية وعد بها وقبض ثمنها سلفاً. وقد ترجم ابن سلمان موقفه بالرسالة التي حمّلها لعمران خان، قبل أيام، وفق ما أعلن الأخير، وأكد وصول الرسالة المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي.
من المرجّح أن يسمع الوسيط الباكستاني في الساعات المقبلة كلاماً إيجابياً من كلّ من إيران والسعودية، لكن النجاح سيبقى رهن وجود ضوء أخضر أميركي للرياض، وهو ما لم يتضح بعد، كما لم يتضح ما إن كانت المملكة قادرة على تجاوز الفيتو الأميركي، على رغم رغبة طهران في حصول ذلك. فمن شروط نجاح المبادرة أن لا يكون طلب السعودية من خان إيصال رسالة، نابعاً فقط من رغبتها في تهدئة جزئية لحماية نفسها وتجنب مزيد من الهجمات، لا شاملاً للملفات الأهم كحرب اليمن، وهو ما لن تؤمّنه طهران. وهنا ثمة علامتان على صعوبة تكهّن ما يمكن أن يحدث بلا قرار جريء من الرياض: الأولى، إرسال مزيد من القوات الأميركية إلى السعودية، والثانية حادث الهجوم على ناقلة النفط الإيرانية في البحر الأحمر.