على امتداد الأسبوع الماضي، خيّمت الاحتجاجات وأعمال العنف على شوارع برشلونة وغيرها من المدن الكتالونية، عقب إصدار المحكمة العليا الإسبانية، يوم الاثنين، أحكاماً مشدّدة بالسجن في حقّ تسعة قادة انفصاليين (العديد منهم وزراء سابقون في الحكومة الإقليمية) تصل إلى السجن 13 عاماً لإدانتهم بالعصيان، في أعقاب استفتاء محظور على انفصال الإقليم عن إسبانيا نُظِّم مطلع تشرين الأول/ أكتوبر عام 2017. وعلى رغم عودة الهدوء نسبياً إلى شوارع الإقليم، إلا أن رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، يواجه انتقادات لاذعة سببها كيفية تعامله مع الاحتجاجات العنيفة للانفصاليين الكتالونيين، وذلك قبل الانتخابات العامة المقرّرة الشهر المقبل. انتقادات عبّر عنها زعيم «الحزب الشعبي المحافظ» المعارض، بابلو كاسادو، الذي اتهم الحكومة بـ«التظاهر بعدم حدوث أي شيء». وفي مقابلة نشرت في صحيفة «إل بايس» اليومية، قال كاسادو، في إشارة إلى رئيس إقليم كتالونيا الانفصالي كيم تورّا، الذي دعا السبت إلى مفاوضات «غير مشروطة» مع الحكومة المركزية، إنه «لا يمكن أن يكون هناك حوار مع من يجعلون كتالونيا تحترق». واعتُبرت دعوة تورّا بمثابة مناورة تهدف إلى ضمان مناقشة إجراء استفتاء قانوني حول الاستقلال، وهو أمر غير مطروح بالنسبة إلى مدريد. لكن سانشيز رفض لقاء نظيره، مشترطاً أن يدين الأخير «بوضوح» أعمال العنف التي وقعت خلال الأسبوع الماضي، ويعترف بأن نحو نصف سكان كتالونيا البالغ عددهم نحو 7.5 ملايين نسمة لا يريدون الاستقلال.على المقلب الآخر، كشفت التطورات الأخيرة أن الحركة الانفصالية ذاتها تعاني انقساماً في صفوفها حول الخطوات المقبلة، وأن الأحزاب الإسبانية لا تزال ترهن مواقفها من الأزمة باستحقاقات الانتخابات المقررة في العاشر من الشهر المقبل. انقسام تجلّى بوضوح في البرلمان الإقليمي، عندما تقدّم كيم تورّا باقتراح لتنظيم استفتاء جديد حول تقرير المصير، رفضه حلفاؤه في الحكومة من «حزب اليسار الجمهوري»، وبعض أعضاء حزبه الذين صدرت عنهم، في الأيام الماضية، مواقف أظهرت اعتراضهم على أسلوبه في إدارة الأزمة. وأمام أعضاء البرلمان الذي تتمثّل فيه المعارضة بنسبة 48% من المقاعد، قال تورّا: «سأدافع حتى النهاية عن ممارسة الحقّ في تقرير المصير. وإذا كانوا قد حكموا علينا بالسجن مئة عام لأننا مارسنا هذا الحق، فسنعود لممارسته مرة أخرى».
تعاني الحركة الانفصالية الكتالونية انقساماً في صفوفها


ومنذ تاريخ النطق بالأحكام القاسية، تعيش برشلونة حالة من الفوضى والترقب. وفي حين لا يزال المشهد بالغ التعقيد، تحوّلت الاحتجاجات في مجملها إلى أعمال عنف، في مقابل قمع شديد من قِبَل الشرطة الإقليمية وأجهزة الأمن الوطنية. وبلغت أعمال العنف ذروتها يوم الجمعة الماضي، حين شارك نحو نصف مليون شخص في التجمّعات في برشلونة. ورأت «إل بايس» أن استهداف المتظاهرين للشرطة بلغ «نقطة حرجة»، وخصوصاً عندما حاصر آلاف الشبان مقرّ الشرطة في المدينة لمدّة سبع ساعات. واعتبرت الصحيفة أن المتظاهرين اختاروا أهدافهم بعناية، سعياً منهم لِلَفت انتباه العالم؛ إذا كانوا قد استهدفوا يوم الاثنين مطار المدينة، والثلاثاء بعثات الحكومة المركزية في الإقليم، والتي وصفوها بأنها رمز للدولة الإسبانية «القمعية». ويومي الأربعاء والخميس، اتسعت الاضطرابات لتصبح خارجة عن السيطرة في جميع أنحاء وسط برشلونة، في وقت تركّزت فيه أعمال الشغب بشكل خاص على الشرطة.
وأعاد قرار «العليا» الإسبانية حركة الانفصال الكتالونية إلى واجهة الحدث، بعد أزمة أخرى غير مسبوقة في عام 2017، ولّدها قرار مؤيّدي الانفصال السير بالاستفتاء المحظور بموجب الدستور الإسباني، لتردّ مدريد في ذلك الوقت بفرض حكمها المباشر على المنطقة، بعدما أعلنت المحكمة الدستورية الإسبانية بطلان الاستفتاء. وقال منظّمو الاستفتاء، حينها، إن 90% من المقترعين أيّدوا الانفصال، لكن نسبة المشاركة لم تتعدّ الـ 43%، وسط مقاطعة النقابيين. وفي أجواء محمومة، أعلنت الغالبية الانفصالية في البرلمان الكتالوني الاستقلال في السابع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر 2017، ليقابَل إعلانها باستخدام سلطات الطوارئ المنصوص عليها في المادة 155 من الدستور الإسباني، حيث حُلّ البرلمان وأقيل زعماؤه، ودعت مدريد إلى إجراء انتخابات مبكرة في 21 كانون الأول/ ديسمبر، فاز بها الانفصاليون بغالبية ضئيلة. وفي أيار/ مايو 2018، اختار برلمان كتالونيا كيم تورّا رئيساً جديداً للإقليم، تعهّد بمواصلة القتال من أجل الاستقلال.