لماذا اندلعت الاحتجاجات في إثيوبيا؟في 23 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، اندلعت في إثيوبيا سلسلة من الاحتجاجات العنيفة طالت جميع أنحاء البلاد. هذه التظاهرات كان سببها الرئيسي محاولة اعتقال الناشط الإعلامي جوهر محمد، ليل 23 من الشهر الماضي، إذ كتب جوهر محمد على حسابه على «فايسبوك» أن عناصر الحراسة الشخصية الذين خصّصتهم السلطات الفدرالية لحمايته تلقّوا الأوامر بالانسحاب.
وفي التفاصيل، اتصل ضابط إثيوبي بعدد من أفراد الحراسة المُكلفين من جانب جهاز الأمن الإثيوبي بحماية جوهر في منزله، وأمرهم بالتخلي عنه وإخلاء المكان من دون علمه. غير أن أفراد الحراسة رفضوا الامتثال للأمر، مبررين ذلك بأن «أوامر الإخلاء ليست قانونية، وفضّلوا البقاء مقررين تحمل تبعات عدم تنفيذ الأوامر العسكرية».
سُرّبت هذه المكالمة عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، لتنطلق بعدها تظاهرات بالآلاف نحو منزل جوهر وفي عدد من المدن الإثيوبية.

من هو جوهر محمد؟
قبل بضعة أشهر كان يعتبر جوهر محمد (35 عاماً) صانع فوز رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد. وهو متخرّج في جامعتي ستانفورد وكولومبيا الأميركيتين.
كان محمد يعيش في الولايات المتحدة تخوّفاً من اعتقاله حال عودته للبلاد، في ظل نشاطه السياسي المناهض لأنظمة الحكم السابقة لآبي أحمد.
ينتمي جوهر إلى قومية الأورومو التي تمثّل أكبر عرقية في البلاد، والتي ينتسب إليها آبي هو الآخر. ويقدّم نفسه على أنه «أورومو أولاً» قبل أن يكون إثيوبياً.
هو مؤسّس «شبكة أوروميا» الإعلامية، والتي تعتبر من القنوات المعارضة، وكان قد استخدمها لأغراض سياسية في الماضي.
إضافة إلى شبكة «أوروميا»، أسّس جوهر محطات تلفزيونية تبث بلغات مختلفة.
يملك جوهر حضوراً فاعلاً على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتابع حسابه على «فايسبوك» نحو 1.75 مليون شخص، و125 ألف شخص على «تويتر»، ما يبرز قدرته على الحشد السريع للتظاهرات.
هو مؤسّس العديد من المنظمات الشبابية التي تعنى بالشأن «النضالي للشعب الأورومي»، وقاد العديد من التظاهرات أمام منظمات الأمم المتحدة في جنيف احتجاجاً على سياسات الحكومة الإثيوبية.
يواجه الناشط اتهامات من قبل معارضيه بأنّه يحضّ على الكراهية الإثنية، وبأنّه لا يهدف سوى إلى زعزعة استقرار البلاد.

ما هي أكبر العرقيات الإثيوبية؟
يصل عدد العرقيات في إثيوبيا إلى حوالى 80 عرقية، وتتحدث مئات اللهجات في البلاد. أكبر العرقيات هي:
■ الأورومو:
تتركز قومية الأورومو في أوروميا في وسط إثيوبيا، ويشكلون نحو 34% من عدد السكان البالغ نحو 110 ملايين نسمة، وهم يتحدثون اللغة الأورومية.
■ الأمهرة:
ثاني أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، ويتحدثون اللغة الأمهرية، وهي اللغة الرسمية للجمهورية الإثيوبية، ويشكلون نحو 27% من عدد السكان.
■ التيغراي:
يشكل التيغراي نحو 6% من الإثيوبيين وأغلبهم يعيش في شمال البلاد.
■ القومية الصومالية:
يشكل الصوماليون أيضاً نحو 6% من تعداد الشعب الإثيوبي، وهم يتركزون في منطقة أوغادين، كما ينتشرون في أنحاء البلاد.
■ أعراق أخرى:
هناك قوميات أخرى أصغر مثل: الغوراغ، والولياتا، وعفار، وهادييا، وغامو، وغيرها.
أما من جهة الديانات، فيشكّل المسيحيون الأرثوذكس نحو 43% من عدد السكان، فيما تبلغ نسبة المسلمين حوالى 34%، والبروتستانت 20%.

ما هو سبب الخلاف بين محمد جوهر وآبي؟
رغم أن جوهر محمد كان قد ساعد آبي للوصول إلى الحكم قبل عامين بعد إطاحة سلفه عبر تغذية تظاهرات مناهضة للحكومة السابقة، إلا أن محمد انتقل أخيراً إلى صفوف المعارضين لآبي، الأمر الذي أثّر في شعبيّة الأخير بين إثنية الأورومو. انتقد محمد علناً إصلاحات رئيس الوزراء في مناسبات مختلفة، واتّهمه بالدكتاتورية.
في المقابل، كان آبي أحمد قد ذكر في خطابه خلال جلسة استجواب في البرلمان الإثيوبي، قبل أيام، أن هناك بعض الشخصيات من حاملي جوازات السفر الأجنبية (في إشارة إلى جوهر) الذين يعبثون بالبلاد، قائلاً إن هؤلاء يحظر عليهم ممارسة النشاط السياسي.
بلغ التوتر أوجه بين الرجلين في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2019 حين أطلق محمد اتهامات تفيد بتدبير خطط لمهاجمته من قبل أعدائه، على إثر انسحاب عناصر الحماية الشخصيين الذين خصّصتهم له السلطات الفدرالية.
الصراع بين جوهر محمد وآبي أحمد يُخفي انقسامات داخل قومية الأورومو، قبل انتخابات عامة مرتقبة في أيار/ مايو 2020.

هل تؤثر الأزمة الحاصلة على آبي؟
ما يحصل الآن في بلاده يُعتبر تحدّياً أساسياً لآبي أحمد الذي حاز جائزة نوبل للسلام في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بسبب تصدّيه لعدة ملفات، على رأسها إفساح المجال للحريات السياسية داخل البلاد، وتهدئة الصراع الدائر مع إريتريا، ودوره في اتفاق انتقال السلطة في السودان.
لكن بروز شخص جوهر أحمد وارتفاع نفوذه السياسي والشعبي، مع تلميحه إلى منافسة آبي أحمد في الانتخابات العامة المقبلة، تشكّل خطراً على موقع رئيس الوزراء الحالي.

التظاهرات، إلى أين؟
منذ حادثة الهجوم على منزل جوهر، نزل أنصاره إلى الشوارع للتنديد بممارسات آبي أحمد.
اندلعت مواجهات بين أنصار الأخير والشرطة بداية في أديس أبابا، قبل أن تنتشر في منطقة أوروميا. أُحرقت الإطارات المطاطية ونصبت الحواجز وقطعت الطرقات في مدن عديدة.
وزارة الدفاع الإثيوبية أعلنت انتشار قوات الجيش في مناطق عديدة في أوروميا بهدف ضبط الأمن عقب الاحتجاجات العنيفة.

ما هي حصيلة المواجهات؟
أعلن رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد أن عدد ضحايا الاحتجاجات بلغ 86 قتيلاً، 82 رجلاً وأربع نساء (حتّى الآن)، معظمهم من العرقيْن الأمهري والأورومو، ومن الديانتين المسيحية والمسلمة.