اعتباراً من يوم أمس، بات الرئيس البوليفي المُقال، إيفو موراليس، يعيش في منفاه في المكسيك، حيث مُنح حقّ اللجوء السياسي. وبدا المنفى وكأنه آخر الملاذات، بعد إصدار مذكّرة توقيف غير قانونية لملاحقة موراليس. ومع انتهاء مسيرته التي بدأت في عام 2006، بانقلاب عسكري بدَت أيادي واشنطن راسخة فيه، تكون بوليفيا قد دخلت دوامةً من الفوضى والفراغ في السلطة، توازياً مع تصاعد أعمال العنف في البلاد. وعلى رغم الصورة القاتمة التي رسمها انقلاب الأحد، خرج الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مباركاً «اللحظة الديموقراطية»، ومنذراً من وصفها بـ«الأنظمة غير الشرعية في فنزويلا ونيكاراغوا».واقعاً، لا يمكن قراءة الحدث البوليفي بمعزل عن الواقع المحتدم في أميركا اللاتينية (تشيلي والإكوادور وفنزويلا)، واندفاعة اليمين المتطرّف في هذه القارة، كما الحال في برازيل جايير بولسنارو. يهدّد ذلك، طبعاً، العمل المتراكم على مدى سنوات من الإصلاحات التي اعتمدت سياسات عدالة اجتماعية، ورفع مستوى معيشة الطبقات الأكثر حرماناً، وإنهاء الفوارق الشاسعة بين الفقراء والأثرياء. كذلك، لا يمكن فصل ما حدث عن التدخلات التي تقودها أميركا في جنوب القارة، واشتغال إدارة ترامب على تمويل انقلابات وتغيير أنظمة، كما هو حاصل في فنزويلا، وكما حصل في بوليفيا. ومن هنا، لم يَدُم الصمت الأميركي طويلاً. رحّب ترامب باستقالة موراليس باعتبارها «لحظة مهمّة للديموقراطية في النصف الغربي للكرة الأرضية»، وأِشاد بموقف الجيش البوليفي ودوره. وفي بيان نُشر ليل أول من أمس، اعتبر الرئيس الأميركي أن «هذه الأحداث توجّه رسالة قوية إلى الأنظمة غير الشرعية في فنزويلا ونيكاراغوا بأن الديموقراطية وإرادة الشعب تسودان دائماً في نهاية المطاف»، معتبراً أن «رحيل موراليس بعد نحو 14 عاماً (في الحكم) ومحاولته الأخيرة تخطّي الدستور البوليفيي وإرادة الشعب، يصون الديموقراطية ويمهّد الطريق أمام الشعب البوليفي لإسماع صوته».
لا يمكن قراءة الحدث البوليفي بمعزل عن الواقع المحتدم في أميركا اللاتينية


وفيما لم تتضح بعد وجهة بوليفيا، إن على المستوى السياسي أو الاقتصادي والاجتماعي، يبدو أن الوضع متّجه نحو مزيد من التصعيد، في ظلّ إبداء كلّ من الأمم المتحدة و«منظمة الدول الأميركية» قلقهما من فلتان أمني في البلاد. ومع استقالة موراليس، استقالت أيضاً الشخصيات التي ينص الدستور على أنها تتولّى خلافة الرئيس في حال رحيله، أي نائب الرئيس ألفارو غارسيا لينيرا ورئيسة ونائب رئيس مجلس الشيوخ وكذلك رئيس مجلس النواب، ما أدى الى فراغ في السلطة. وبالتالي، فإن النائبة الثانية لرئيس مجلس الشيوخ، المعارضة جانين آنيز، أعلنت تولّيها الرئاسة بالوكالة، آملة في أن يوافق مجلس الشيوخ، حيث يشغل أنصار موراليس غالبية (19 من أصل 36 مقعداً)، على تعيينها. ولدى وصولها إلى البرلمان يوم أمس، قالت إنه «لا يمكننا البقاء من دون حكومة»، بعدما أعلنت، أول من أمس، نيّتها الدعوة إلى انتخابات «تعكس إرادة جميع البوليفيين»، لكي يكون هناك «رئيس منتخب في 22 كانون الثاني/ يناير». ومع تواصل أعمال العنف وخروجها عن السيطرة، وجّه قائد شرطة لاباز، الكولونيل خوسيه بارينيشيا، نداءً إلى الجيش البوليفي للتدخل لوقفها «لأن الشرطة البوليفية قد أُنهكت»، وتعرّضت بعض ثكناتها للإحراق أو النهب، وذلك بعد ثلاثة أسابيع مِن المواجهات التي أعقبت فوز موراليس في انتخابات الرئاسة. ورداً على تلك المناشدة، قال قائد الجيش، وليامز كاليمان، الذي قاد الانقلاب، إن «القيادة العسكرية للقوات المسلحة قامت بالترتيب لعمليات مشتركة مع الشرطة لمنع إراقة الدماء والاقتتال داخل العائلة البوليفية».
في غضون ذلك، وصل إيفو موراليس إلى المكسيك يوم أمس، حيث حصل على اللجوء السياسي. وتعهّد «مواصلة النضال»، مؤكداً أنه لن يتوقّف عن «التعاطي في السياسة». وقال إن «لكل الشعوب الحقّ في التحرّر»، مكرراً شكره للمكسيك التي «أنقذت» حياته. وسبقت موقفه هذا تغريدة كتب فيها: «أيّها الأشقاء والشقيقات، أنا أغادر إلى المكسيك... أشعر بالأسى لمغادرة البلاد لأسباب سياسية، لكنني سأعود قريباً بقوة وطاقة أكبر».