عاد اليوم الآلاف من التشيليين إلى الشوارع، احتفالاً بذكرى مرور شهر على الاحتجاجات الغاضبة وشبه اليومية التي هزّت الدولة اللاتينية، وأدت إلى إصلاحات في النظامين الاقتصادي والاجتماعي في البلاد. واحتشد نحو ثلاثة آلاف محتج هاتفين «تشيلي استيقظت»، في ميدان إيطاليا الرئيسي في العاصمة سانتياغو، بؤرة الاحتجاجات، والذي غيّر المتظاهرون اسمه إلى «ساحة الكرامة (ديغنتي بلازا)».ورغم كلمة الرئيس سيباستيان بنييرا، التي ندّد فيها بعنف الشرطة والأمن بحق المتظاهرين الذين سقط من بينهم نحو 20 قتيلاً، وأكثر من ألف جريح، لا يزال المتظاهرون مصرّين على مواصلة حراكهم. فأمس، أراد التشيليون إيصال رسالة إلى السلطة، مفادها: «لا نثق بالبرنامج الاجتماعي الذي أعلنته الحكومة والاتفاق البرلماني حول دستور جديد». فما هو المسار الذي اتبعته الثورة وأبرز الإنجازات؟


انطلاق الاحتجاجات:
منذ 19 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بدأت في تشيلي احتجاجات على رفع أسعار بطاقة المترو من 800 إلى 830 بيزوس (1.04 يورو)، إذ تملك تشيلي أوسع وأحدث شبكة لقطارات الأنفاق في أميركا اللاتينية يبلغ طولها 140 كيلومتراً وتنقل يومياً ثلاثة ملايين راكب، وهذا ما يفسّر نزول الآلاف إلى الشوارع. لكن سرعان ما تحوّل الغضب الشعبي ضد الرئيس «المحافظ» بينيرا، والنظام بشكل عام.

(أ ف ب)



دوافع الاحتجاج:
لم يكن غلاء بطاقة المترو هو الدافع الوحيد لنزول التشيليين إلى التظاهرات، بل كان الشرارة التي فجّرت الأوضاع. الدافع الأول الذي ركّز عليه الكثير من المحتجين هو دستور تشيلي (عام 1980) الذي يعود إلى عهد أوغوستو بينوشيه (1973 ــــ 1990) والذي لا يقرّ بمسؤولية الدولة عن توفير التعليم والخدمات الصحية. إذاً يطالب الكثيرون بتغيير الدستور. أيضاً، النظام الاقتصادي التشيلي الذي يعتمد على الليبرالية، حيث خصخصت الدولة كل القطاعات، الأمر الذي أدى إلى خلق عدم مساواة بين الناس، وهذا ما يفسر الشعار الذي رفعه التشيليون (تشيلي استيقظت).

(أ ف ب)



موقف الرئيس بنييرا:
ومع أنّ بينييرا تراجع في اليوم الثاني للاحتجاجات عن قرار زيادة أسعار المواصلات، إلا أن الاحتجاجات لم تهدأ، حيث رفع المتظاهرين سقف مطالبهم لتشمل قضايا أخرى مثل التفاوت، والاحتجاج على النموذج الاقتصادي المطبّق، والحصول على التعليم والخدمات الصحية المرتبطين بالقطاع الخاص.
في بداية الاحتجاجات، وبعد إظهار العنف من قبل المتظاهرين، اعتبر بنييرا أن بلاده باتت في «حالة حرب ضد عدوّ قوي لا يرحم، لا يحترم أحداً أو شيئاً، وهو مستعد لاستخدام القوة من دون أي حدود». وفوراً أعلن حالة الطوارئ في البلاد، إضافة إلى نشره الآلاف من جنود الجيش والشرطة في مشهد لم يره التشيليون منذ سقوط ديكتاتورية بينوشيه.


(أ ف ب)



«إصلاحات» تحت الضغط:
موقف الرئيس اليميني المتشدد زاد الطين بلّة، إذ رفع الحدة لدى المتظاهرين. في ما بعد، اعتمد بنييرا أسلوباً أقلّ حدة، إذ قابل زعماء المعارضة، وألقى كلمة أعلن خلالها سلسلة من السياسات الاجتماعية الجديدة، بما في ذلك زيادة طفيفة في الحد الأدنى للأجور، واعتذر عن «قصر نظر» القادة السياسيين. كما أعلن الرئيس عن تعديل وزاري واسع، داعياً الوزراء إلى الاستقالة وتشكيل حكومة جديدة تستجيب لمطالب المتظاهرين. ورغم ذلك، يصرّ بنييرا على عدم الاستقالة، إلّا أنه أقدم قبل أسبوع على تنازل كبير، حيث وافقت الأحزاب السياسية على استفتاء حول استبدال دستور حقبة بينوشيه.


(أ ف ب)



«انتصار» اليسار:
فيما يتعرض اليسار للانحسار في أميركا اللاتينية بشكل عام، يبدو أنه يتقدم في تشيلي، حيث إن الإنجازات التي حققتها المعارضة من خلال الاحتجاجات ليست بالعابرة، والاستفتاء على الدستور أهمها. فالتشيليون يعتبرون التخلص من الدستور الذي يذكّر بحقبة قمعية سوداء في ماضي بلدهم، خطوة نحو إنهاء الأزمة. ورغم أنه تمّ تغيير الدستور الحالي عدة مرات، لكنه لم يذكر مطلقاً مسؤولية الدولة عن توفير التعليم والرعاية الصحية (...). وفي هذا السياق، قالت النائبة عن حزب «الثورة الديموقراطية» اليساري، كاتالينا بيريز، إن الشارع أعطى درساً لكل من استبدلوا أملهم بالاستقالة. لقد حرّك الناس حدود الديموقراطية»، فيما قال الرئيس السابق ريكاردو لاغوس، المنتمي إلى يسار الوسط، الذي تمكن من التوصل إلى إجماع سياسي واسع خلال رئاسته (2000 ـــ 2006) على إزالة أكثر المواد غير الديموقراطية في الدستور: «نحن جميعاً ندرك أننا كنا في مأزق مع هذا الدستور الموروث والمتحجّر».


(أ ف ب)



الاحتجاجات بالأرقام:
منذ اندلاع الاحتجاجات، وقوات الأمن والشرطة تعامل المتظاهرين بالقوة وتفرّق المحتجين بالقنابل الصوتية، وقنابل الغاز المسيّلة للدموع، وخراطيم المياه، والرصاص المطاط.
قدّم المعهد الوطني لحقوق الإنسان في تشيلي «INDH» تقريراً إحصائياً عن الاحتجاجات، قال فيه إنها أدّت إلى مقتل 24 مواطناً، واعتقال 6362، وإصابة 2381.


(أ ف ب)


واعتقلت الشرطة 6362 من المتظاهرين بينهم 759 قاصراً، ومن بين الجرحى 866 أصيبوا بعيارات نارية تابعة للشرطة و407 مصابين بأسلحة نارية مجهولة، وفقاً لصحيفة «انفوباي» الأرجنتينية. الصحيفة أكدت أنه إضافة إلى ذلك، هناك 346 دعوى قانونية، بما في ذلك خمس شكاوى من جرائم القتل و346 حالة تعذيب و58 حالة عنف جنسي. أما الشرطة، فقد أصدرت بياناً الإثنين الماضي قالت فيه إنه منذ 18 تشرين الأول، «اعتقل أكثر من 15 ألف شخص، من بينهم 3500 أثناء عمليات نهب»، من دون التطرق إلى عدد القتلى
من جهته، قال المركز التشيلي لحقوق الإنسان (هيئة مستقلة) إنه سيقوم بشكاوى ضد رجال شرطة شاركوا في القتل بتهمة «القتل العمد». ومع تزايد الاتهامات لرجال الشرطة بانتهاك حقوق الإنسان، أرسلت الأمم المتحدة بعثة تحقيق إلى سانتياغو.


(أ ف ب)



الخسائر:
قدّرت حكومة تشيلي الخسائر منذ اندلاع الاحتجاجات حتى اليوم بـ«مليار دولار». أما البيزو التشيلي، فهبط إلى أدنى مستوى على الإطلاق خلال التعاملات (تراجع بنحو 3.2% أمام الدولار)، كما انخفض سوق الأسهم المحلي إلى أقل مستوى في عامين ونصف عام مع استمرار التظاهرات المناهضة للحكومة.


(أ ف ب)