يتوقّع الفرنسيون حصول فوضى كبيرة في وسائل النقل المشترك، اليوم، خصوصاً في المنطقة الباريسية التي تشهد شللاً منذ أربعة أيام، جرّاء إضراب احتجاجاً على مشروع إصلاح نظام التقاعد الذي تدافع عنه الحكومة. ويخشى عدد من الخبراء الاقتصاديين في فرنسا أن يطول الإضراب وأن يخسر التجار، وأن يحصل إغلاق طرق ونقص في الوقود، ما سيؤثر في الحركة الاقتصادية بشكل أكبر أثناء فترة الأعياد.وخلال اليومين الماضيين، اتسع نطاق التعبئة في محاولة لجعل الحكومة ترضخ لمطالب المحتجين، وتجلّت السبت في تظاهرات عدّة مع استمرار الاضطرابات في قطاع النقل العام، وذلك قبل اختبار قوة جديد الثلاثاء. وقال الأمين العام لنقابة «القوى العاملة» إيف فيريه: «لقد سدّدنا ضربة قوية، ووُلدت ديناميكية»، قبل أن يحدد تجمع النقابات موعداً جديداً للتعبئة في العاشر من كانون الأول/ديسمبر. وقالت مديرية الشرطة في مدينة نانت (غرب) إنّ نحو 2,800 شخص تظاهروا، أول من أمس، ضدّ الإصلاحات المطروحة، مشيرة إلى أنّ التظاهرة شابتها صدامات بين قوات الأمن والمتجمعين حين رشق متظاهرون مقر الشرطة بقوارير وحصى. وفي باريس، خرجت عدة حشود وسط جو متوتّر وفي ظل رقابة أمنية لصيقة. وتجمّع نحو ألف شخص من «السترات الصفر» في جنوب العاصمة، حيث وقعت بعض الصدامات مع الشرطة التي استخدمت الغاز المسيّل للدموع. وتحت شعار «إصلاحك يشبه لافتتي، إنّهما من ورق»، تظاهر نحو 1,800 شخص في مرسيليا (جنوب ــ شرق)، بحسب مديرية الشرطة، تلبية لدعوة الاتحاد العام للعمل، وانضم إليهم متظاهرون من «السترات الصفر». كذلك، أشارت الشرطة إلى تظاهر نحو 1,200 في كون (شمال ــ غرب) و1,100 في بوردو (جنوب ــ غرب) و800 في ليل (شمال) وهافر، و700 في ليون (وسط ـ شرق). وجرى إلغاء عدد من العروض المقرّرة هذا الأسبوع في المسرح الوطني، وكذلك في دار أوبرا باريس، فيما فُتحت أبواب بضعة متاحف باريسية لعدد من الساعات.
واندلعت موجة الغضب بسبب «النظام الشامل» للتقاعد، الذي يُفترض أن يحلّ اعتباراً من عام 2025، محل 42 نظاماً تقاعدياً خاصاً معمولاً بها حالياً. وتعد الحكومة بنظام «أكثر عدلاً»، في حين يخشى المعارضون للإصلاحات إلحاق الضرر بالمتقاعدين. ونظام التقاعد هو موضوع حسّاس للغاية في فرنسا. ويأمل المعارضون الأكثر تشدداً في أن تطول الحركة الاحتجاجية، وأن يتمّ إغلاق البلاد كما حصل في كانون الأول/ديسمبر 1995، حين تسبّبت الحركة الاحتجاجية ضد إصلاحات النظام التقاعدي في شلّ وسائل النقل المشترك لثلاثة أسابيع وأرغمت الحكومة على التراجع.
يخشى العاملون في مجال التجارة والسياحة من تداعيات حركة الاحتجاجات التي قد تطول


في مقابل ذلك، تبدو الأيام المقبلة حاسمة بالنسبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي جعل من «تحوّل» فرنسا هدفاً لعهده. ومن أجل إنقاذ مشروع الإصلاح الذي تعهّد بإنجازه خلال الحملة التي سبقت انتخابه رئيساً عام 2017، أُجريت مشاورات طوال عطلة نهاية الأسبوع، قبل أسبوع حاسم وتظاهرات جديدة الثلاثاء. كذلك، اجتمع ماكرون، مساء أمس في قصر الإليزيه، مع رئيس الوزراء إدوار فيليب والوزراء المعنيين بالملف. وسيقدّم المفوّض الأعلى لإصلاح نظام التقاعد جان بول دولوفوا برفقة وزيرة الصحة أنييس بوزان، اليوم، خلاصات مشاوراته الطويلة للهيئات الاقتصادية. وأخيراً، سيعرض رئيس الحكومة الأربعاء تفاصيل مشروعه.
وأمس، كانت لا تزال حركة النقل خفيفة، إذ يجري تسيير قطار سريع واحد من أصل ستة، على سبيل المثال، فيما أُغلق 14 خط مترو من أصل 16 في باريس. ويتوقع أن يكون الوضع كارثياً، اليوم، في محطات القطارات في المنطقة الباريسية، في الوقت الذي طلبت فيه الشركة الوطنية للسكك الحديد من الركاب تجنّب بعض المحطات، حيث يبدو تدفق الركاب الكثيف المتوقع «خطيراً جداً» على سلامة الناس. يأتي ذلك فيما دعت أكبر ثلاث نقابات لسكك الحديد إلى توسيع نطاق الإضراب، بدءاً من اليوم.
في غضون ذلك، تواجه أمس في صحيفة «لو جورنال دو ديمانش»، إدوار فيليب مع معارضه الرئيسي في هذا الملف، أمين عام الكونفدرالية العامة للعمل فيليب مارتينيز، الذي أعطته الاحتجاجات الحاشدة التي بدأت الخميس بنزول أكثر من 800 ألف متظاهر على الشارع، زخماً شديداً.
وحذّر رئيس الحكومة، في تصريحات نشرتها الصحيفة، من أنه «إذا لم نقم بإصلاح عميق وتدريجي، اليوم، سيقوم بذلك شخص آخر غداً بشكل عنيف، فعلاً عنيف». وأشار إلى أنه «مصمّم» على قيادة مشروع نظام التقاعد الشامل «حتى الانتهاء منه». وردّ النقيب في مقابلة طويلة، بالقول: «سنصمد حتى سحب» مشروع الإصلاح، الذي لا يتضمّن «أي شيء جيّد». ويُتوقع أن يشهد، يوم غدٍ، إضرابات وتظاهرات كبيرة. ورفض مارتينيز فرضية الانتقال، خلال 10 أو 15 عاماً، من الأنظمة الحالية إلى النظام المستقبلي، إذ قال: «ستكون (الإجابة) كلّا».
ويخشى العاملون في مجال التجارة والسياحة من تداعيات حركة الاحتجاجات الاجتماعية التي يُرجّح أن تطول، لا سيما أنهم سبق أن عانوا، في أواخر عام 2018، من الأزمة غير المسبوقة لمحتجّي «السترات الصفر»، الذين بدأت تحركاتهم منذ أكثر من عام ضد سياسة الحكومة الضريبية والاجتماعية. وفعلاً، كان قد أدى اليوم الأول من الإضراب، إلى تراجع بمعدّل 30% في النشاط الاقتصادي، بحسب منظمة تضمّ ممثلين عن 26 ألف محل تجاري و200 ألف موظف.