دخلت إسرائيل، رسمياً، في أجواء الحملة الانتخابية، وما يرافقها عادةً من خطاب سياسي ودعائي، وعمليات دمج وتفكيك بين الكتل. يأتي ذلك بعد سلسلة تطورات شهدها الكيان خلال الأشهر الماضية، يمكن القول إنها لم تكن لتخطر على بال أيّ من الذين حاولوا استشراف مستقبل الكيان العبري. فما تعيشه إسرائيل، بحسب بعض المحلّلين، هو «واقع يفوق الخيال»، الأمر الذي يدفع العديد منهم إلى عدم استبعاد انتخابات رابعة في العام المقبل. لكن هذا التقدير مشروط بأن لا تؤدي نتائج الانتخابات المقبلة، وهو المرجّح، إلى تغيير جذري في موازين القوى النيابية، وبالتالي بقاء قدرة التعطيل المتبادلة على تشكيل الحكومة، وأيضاً باستمرار نتنياهو في منصبه كرئيس لـ«الليكود» ومرشح لرئاسة الحكومة، وبقاء التكتل اليميني ملتفّاً حوله. في هذه الحالة، يصبح السيناريو المتقدّم غير مستبعد، أو على الأقلّ من ضمن السيناريوات المعتبرة، مع أنه لوهلة يبدو هو الآخر أقرب إلى الخيال.وما يُعمّق من دلالات الأزمة أن القوى السياسية الرئيسة المتنافسة، وتحديداً «الليكود» و«أزرق أبيض»، ليس ثمة بينها فجوات أيديولوجية تُذكَر، وهو ما أقرّ به رئيس الدولة، رؤوفين ريفلين، الأمر الذي يُظهر البعد الشخصي للصراع، والذي يشكّل عاملاً أساسياً في إنتاج هذا الواقع الإشكالي. كذلك، ينبغي عدم تجاهل حقيقة أنه كان بإمكان رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، الانضمام إلى تكتل نتنياهو وتغيير مجرى الأحداث، لكن الذي حال دون ذلك هو الصراع العلماني ــــ الديني، وتحديداً حول مسألة تجنّد «الحريديم» في الجيش، والتي تحوّلت إلى رافعة لليبرمان، تعزّز رصيده الشعبي، بعدما رفع رايتها، وأظهر تصلّباً في تلبية الشروط المتصلة بها. أما القضية الفلسطينية، فلن يكون لها ــــ كما هو معروف ــــ مكانة معتبرة على أجندة الحملة الانتخابية الحالية، التي ستتمحور حول الاتهامات المُوجّهة لنتنياهو وحصانته.
هذا الوضع غير المسبوق دفع المراقبين في إسرائيل إلى الحذر في تقدير نتائج انتخابات يخوضها رئيسُ حزب كبير (هو الحزب الحاكم في العقد الأخير) متهمٌ في قضايا جنائية، مع ما قد يكون لذلك من انعكاسات على مزاج الرأي العام وموقفه من نتنياهو ومن خصومه الذين يفترض أن يشكّلوا بديلاً له في الحكم. وكتعبير عن حالة الانفصام التي تعيشها الطبقة السياسية في إسرائيل، رأى أحدهم أنه لو جرى التصويت على حلّ «الكنيست» بصورة سرية، لاعترض جميع الأعضاء على حلّه، باستثناء شخص واحد هو نتنياهو، الذي يريد هذه الانتخابات انطلاقاً من مصلحة شخصية بحتة. وهكذا، فإن ثلاث معارك انتخابية تستهدف خدمة هدف واحد لشخص واحد: تشكيل ائتلاف يسمح بتهرّب رئيس الحكومة من المحاكمة.
قد يكون التعبير الأكثر اختصاراً للمشهد السياسي في إسرائيل هو ما ذهبت إليه الصحافية، سيما كيدمون، والتي قالت إن إسرائيل «لا تذهب إلى الانتخابات الثالثة بسبب الأولاد في الغرف الآمنة في غلاف غزة، ولا بسبب الأزمة في غرف الطوارئ في المستشفيات، ولا بسبب عجز الموازنة، ولا حتى بسبب ضمّ غور الأردن الذي تمسّك به نتنياهو فجأة كحاجة وجودية ضرورية لا مثيل لها، وإنما بسبب الشؤون القضائية لنتنياهو». وأضافت إن إسرائيل توجّهت إلى الانتخابات «في نيسان، من أجل استباق جلسة الاستجواب ضدّ نتنياهو. وخرجنا إلى الانتخابات الثانية من أجل استباق لوائح الاتهام. ونتوجه إلى الثالثة كي يُعلّق طلب نتنياهو الحصانة لأشهر طويلة لن تبدأ فيها الإجراءات القضائية».
يُذكر أن نتنياهو أبلغ المحكمة العليا أنه سيستقيل من مناصبه الوزارية باستثناء منصب رئيس الحكومة، ابتداءً من مطلع الشهر المقبل. جاء هذا في أعقاب تحذير المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، من أنه إذا لم يستقل نتنياهو طواعية من المناصب التي يتولاها، فإنه سيضطر إلى إلزامه القيام بذلك. ويتولى نتنياهو أربع حقائب وزارية حالياً، هي: الصحة، الرفاه، الزراعة و«الشتات».