طهران | يصل الرئيس الإيراني، حسن روحاني، غداً، إلى اليابان، في زيارة يلتقي خلالها رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي. الزيارة، التي ستتواصل على مدى يومين، هي الأولى التي يقوم بها رئيس إيراني إلى اليابان منذ نحو 20 عاماً. ونظراً إلى العلاقات الوثيقة بين اليابان والولايات المتحدة، والوساطة التي جرّبت طوكيو القيام بها أخيراً، فإن الزيارة ولّدت تكهّنات باحتمال أن تضطلع اليابان بمحاولة توسّط جديدة بين الطرفين. وقال روحاني، عشية توجّهه إلى طوكيو، إن موضوع أمن الملاحة البحرية في المنطقة سيكون على جدول أعمال محادثاته مع آبي، فيما أشار نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي كان قد نقل قبل نحو ثلاثة أسابيع رسالة روحاني إلى آبي، إلى أن الزيارة «ستكون مكثّفة»، و«لا يجب أن تكون ثمة توقعات خاصة». وعلى الرغم من أن عراقجي رفض الحديث عن احتمال انطلاق المحادثات مع الولايات المتحدة خلال الزيارة، إلا أنه أكد أن موضوع الاتفاق النووي وسياسة «الضغوط القصوى» الأميركية ضد بلاده ستتم مناقشتهما حتماً بين البلدين. من جهته، لفت المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، إلى أن اليابان قدمت اقتراحاً لخفض التوترات في المنطقة، مضيفاً أن موضوعَي الاتفاق النووي والتطورات في المنطقة ستتم إثارتهما خلال الزيارة، لكن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، قال إن زيارة روحاني «لا علاقة لها بقضايا مثل المحادثات مع أميركا»، مرحّباً في الوقت نفسه «برسائل ومبادرات اليابانيين». أما رئيس الوزراء الياباني، فقد أعلن، في معرض إشارته إلى الزيارة، إلى أن طوكيو تريد الاضطلاع بدور أكثر فاعلية لحلحلة العقدة النووية بين طهران وواشنطن، وخفض التوتر في الشرق الأوسط الذي يُصدّر 80% من النفط الذي تحتاج إليه اليابان.
من الوساطة إلى أمن الملاحة
اضطلعت اليابان، الصديقة لطهران والحليفة لواشنطن، منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وإعادة العقوبات، بدور الوسيط بين الطرفين. وفي حزيران/ يونيو الماضي، زار آبي طهران، في أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء ياباني إلى إيران بعد الثورة. الزيارة تمّت بهدف المساعدة على دخول طهران وواشنطن في حوار. وعلى رغم أنها لم تتكلّل بالنجاح، إذ رفض المرشد علي خامنئي، حينها، خلال استقباله الضيف الياباني، تبادل الرسائل مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلا أنه يبدو أن طوكيو تبذل سعياً متجدّداً لخفض التصعيد، في محاولة تلقى على ما يظهر تأييداً ودعماً أميركيين. وكانت وكالة أنباء «كيودو» اليابانية أعلنت، في السابع من الجاري، موافقة الولايات المتحدة على نية اليابان استقبال روحاني وإجراء محادثات معه حول البرنامج النووي الإيراني. وأضافت أن واشنطن دعت طوكيو في الوقت ذاته إلى أن تضع الولايات المتحدة في صورة نتائج اللقاء بين روحاني وآبي. وقال المصدر الدبلوماسي، الذي نقلت عنه «كيودو» النبأ، إن آبي سيطلب من روحاني أن تلتزم إيران تعهداتها الواردة في الاتفاق النووي، والتي تحلّلت منها جزئياً كردّ على الانسحاب الأميركي.
كما أفادت الأنباء بأن طوكيو ستطلب على الأرجح من طهران أن توافق على إيفاد اليابان قوة بحرية إلى الخليج لحماية ناقلاتها النفطية. ومن المقرّر أن تصادق حكومة آبي على مشروع مثير للجدل يقضي بإرسال قوة بحرية إلى مياه الشرق الأوسط. وكانت اليابان أحجمت عن المشاركة في قوة متعدّدة الجنسيات اقترحتها الولايات المتحدة لحماية الملاحة البحرية في الخليج، بيد أنها قالت إنها ستتخذ إجراءات في هذا المجال. وأكد آبي، عشية زيارة روحاني، أن «اليابان ستسعى، عن طريق إقامة التواصل المستمر، في خفض التوتر في المنطقة وإعادة الاستقرار. ومن وجهة نظر أمن الطاقة، فمن الطبيعي أن تواصل اليابان إجراءاتها لإحلال السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وضمان أمن السفن اليابانية في المنطقة». وكتبت صحيفة «يابان تايمز»، من جهتها، أن زيارة روحاني «تُعدّ إحدى أهم الفرص لخفض التوترات في المنطقة».

رؤى متناقضة في إيران
ثمّة رؤى مختلفة في إيران تجاه زيارة روحاني. وفيما يذهب البعض إلى أن الزيارة تمثل فرصة للوساطة لخفض التوتر مع الأميركيين، ويتحدثون عن «تغير ملموس» في السلوك الأميركي، يرى آخرون أن الزيارة «خطأ» و«عقيمة».
وكتبت صحيفة «إيران» الحكومية، في تقرير ينطوي على أمل إزاء مكاسب الزيارة، أن «المسؤولين اليابانيين يأملون أن يجدوا خلال زيارة روحاني إلى طوكيو حلاً لمعالجة التوتر المتزايد بين إيران وأميركا. الحلّ الذي قد يترافق مع التمهيد لبيع وشراء النفط ونجاح طوكيو في تقليص هوة الخلاف بين إيران وأميركا، ولا سيما أن التبادل الأخير لمواطنين أميركي وإيراني بوساطة سويسرية بوصف سويسرا راعية المصالح الأميركية في إيران، عزّز التكهنات باحتمال التوصل إلى اتفاق كبير. ومن جهة أخرى، فإن عدداً من مسؤولي الإدارة الأميركية شاركوا في الأيام الأخيرة في منتدى الدوحة، وجدّدوا بنبرة مختلفة الدعوة الأميركية لإجراء محادثات مع إيران».
وتطرقت صحيفة «دنياي اقتصاد»، المقرّبة من التيار الداعم لروحاني، في تقرير بعنوان «أربع إشارات من واشنطن إلى طهران»، إلى الزيارة بنبرة تفاؤلية حيث قالت: «في الظروف التي من المقرّر أن يسافر فيها روحاني الجمعة إلى طوكيو، فإن ثمة مؤشرات على مرونة واشنطن بشأن الضغوط القصوى». وأضافت أن «تبادل السجناء، وتغير نبرة السلطات الأميركية تجاه طهران، وتشغيل قناة سويسرا الإنسانية، وتغير موقف البيت الأبيض من دور إيران في اليمن، وهمسات حول تحرير جزء من الأموال الإيرانية المحتجزة وإيجاد قناة مالية مع اليابان، واحتمال إعفاء طوكيو من العقوبات النفطية خلال زيارة روحاني لليابان» هي من «الإشارات التي أرسلتها واشنطن إلى طهران».
شينزو آبي: طوكيو تريد الاضطلاع بدور أكثر فاعلية لحلحلة العقدة النووية


أما صحيفة «كيهان» المحافظة المقرّبة من المرشد، فاعتبرت أن الزيارة «عقيمة»، ورأت أن «وسائل الإعلام التابعة للحكومة والتيار الإصلاحي توحي بأن زيارة روحاني لليابان تشكل مقدمة لمحادثات جديدة (مع واشنطن) وانفراج اقتصادي. في حين أن اليابان لا تتمتع بأيّ وجه من الوجوه بالاستقلال السياسي، وهي تمتثل بشكل مؤسف لأوامر وتعليمات أميركا المهينة. على سبيل المثال، فإن اليابان حصلت بداية على إذن من السلطات الأميركية لكي يزورها الرئيس الإيراني، وبعد موافقة واشنطن تقرر القيام بهذه الزيارة. وفضلاً عن ذلك، فإن السلطات الأميركية أوعزت إلى طوكيو بأن تضع واشنطن في صورة نتائج لقاء روحاني مع رئيس وزراء اليابان شينزو آبي». وتابعت الصحيفة: «إن دولاً، بما فيها اليابان وسلطنة عمان وسويسرا، أعلنت في الوقت الحاضر أنها ستقوم بدور الوسيط لإطلاق محادثات جديدة... لكن هذه الدول ليست وسيط محادثات، بل مجرد سمسار لتطبيق الأوامر السلطوية الأميركية. إن سلطات هذه الدول بما فيها فرنسا أعلنت صراحة أن الهدف من المحادثات الجديدة هو جعل القيود المتصلة بالاتفاق النووي على إيران دائمة، وكذلك إضفاء صيغة الاتفاق النووي على القوة الصاروخية والقوة الإقليمية لإيران. وفي هذا الخضم، فإن رفع العقوبات عن إيران وإيجاد الانفراج الاقتصادي للشعب الإيراني لا موقع لهما في المحادثات، ويُطرحان كمجرد وعود».
من جهتها، كتبت صحيفة «جوان» التابعة للحرس الثوري، في مقالها الافتتاحي بعنوان «لا يجب تكرار التجربة المريرة للاتفاق النووي في اليابان»، لأن «ترامب وجهاز واضعي السياسات في البيت الأبيض يسعون اليوم، في ظلّ إيفاد وسطاء عديدين، إلى وقف نيل الاكتفاء الذاتي والاقتصاد بلا نفط، والحدّ حسب زعمهم من المزيد من ترسيخ موقع الثورة الإسلامية في العالم، ودفع النظام الإسلامي للاستسلام والمساومة، وليعطي ذلك للجمهوريين الذين يمرون بهزائم متتالية على الصعيد الدولي وأمامهم عملية استجواب، مكسباً ينقذهم من السقوط الحتمي. وإن كانت الحكومة غير راغبة في أن تسجل في سنواتها الأخيرة نقطة سوداء أخرى في سجلها، فلا بد أن تتحلى بالوعي تجاه هذه المكيدة المعادية».