لم يكن الحدث المناخي العالمي (لناحية التفاوض) هذا العام في مدريد، حيث انعقدت قمة المناخ الـ25، بل في بروكسل. في مدريد، تعثّرت مفاوضات المناخ كما كان متوقّعاً. توقفت عند البند السادس في اتفاقية باريس المناخية (التي أُبرمت عام 2015 والتي يُفترض أن يبدأ تطبيقها عام 2020)، أي عند كيفية احتساب الضريبة على الكربون. صحيح أن 196 دولة صدّقت عليها، إلا أن 80 دولة فقط أعلنت في المؤتمر نهاية الأسبوع الماضي، عن استعدادها للالتزام بتخفيض انبعاثاتها، بالرغم من استمرار الخلافات على تفسير بعض بنود الاتفاقية وإمكانية التفلّت من هذه الالتزامات بسهولة، وخصوصاً أن اتفاقية باريس ليست ملزمة ولا تتضمن أي بنود جزائية. كذلك، تجدر الإشارة إلى أن الدول الملتزمة علناً (80 دولة)، ليست هي الدول الكبرى المتسبّبة بالمشكلة العالمية، بل إنها لا تشكل إلا 10% من الانبعاثات العالمية فقط.انتهت هذه القمة التي امتدت على فترة أسبوعين ــ بعد تمديدها وتأخيرها 42 ساعة عن موعدها ــ بصفر تعهّدات إضافية كان كثر في العالم يراهنون عليها! ويعني ذلك بالأرقام العلمية، حسبما كان قد نبّه إليه خبراء المناخ في التقارير الدولية ذات الصلة، أن حرارة الأرض سترتفع أكثر من 4 و5 درجات في نهاية القرن، بعدما كان مأمولاً أن لا تتجاوز درجة ونصف درجة ودرجتين، إذا ما تمّ الالتزام باتفاقية باريس!
لقد حصدت هذه القمة المزيد من الخيبة، بعدما فشلت الدول الكبرى والأكثر تلويثاً في الوفاء بتعهداتها، وبعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية رسمياً من الاتفاقية، وعدم التزام الصين (الأولى في العالم بانبعاثاتها)، وعدم التزام البرازيل والهند وأستراليا وروسيا واليابان… التي تتسبب بأكثر من نصف انبعاثات الأرض. تركّز الفشل في عدم الاتفاق على تفسير البند السادس من الاتفاقية، والمتعلق بكيفية تسعير الكربون على المستوى العالمي، وهو الخلاف الذي بدأ منذ إبرام بروتوكول كيوتو عام 1997، بعدما خرج نائب الرئيس الأميركي آل غور، آنذاك، بتلك البدعة لإنقاذ البروتوكول (إمكانية بيع الكربون)، إذ ترك للدول الصناعية والغنية والمتسبّبة بتغير المناخ بزيادة انبعاثاتها، حرية أو إمكانية أن تبيع حصتها من الكربون عبر إنشاء مشاريع في البلدان النامية بنسب كربون أقل، واحتساب هذه الكميات من رصيدها. ولا يزال العالم منذ ذلك التاريخ، وحتى الأمس في مؤتمر مدريد، على خلاف حول كيفية احتساب الكربون، إذ لا يزال هناك من يحاجج أنه لا يمكن احتساب الكربون مرّتين بين البلدان، بين تلك التي تبيع وتلك التي تشتري.
فإذا أخذنا مثلاً على دولة صناعية تريد أن تخفض من انبعاثاتها عن طريق إنشاء مزرعة رياح في دولة نامية، واحتساب الكربون المخفّض من حصتها… يبقى السؤال كيف سيتم احتساب ذلك؟ مع العلم أن من يبيع الكربون، أي الدول النامية التي تنتج كربوناً أقل، عبر إنشاء مشاريع إضافية على طاقة الهواء (على سبيل المثال)، يمكنها أن لا تغيّر شيئاً في سياساتها النفطية المستهلكة للنفط، وكذلك الدول التي تشتري، فهي أيضاً لا تغيّر في سياستها الشرهة على الإنتاج والاستهلاك التي تزيد من الانبعاثات، بحجة أن لها حصة في مشاريع صديقة للبيئة خارج حدودها. وهذا ما يفسر استمرار الجدل (لا بل الدجل) حول هذه الخدعة التي اخترعها آل غور، منذ بروتوكول كيوتو الذي أُبرم عام 1997.
الحدث الأكبر، كما ذكرنا، حصل في بروكسل (في 13/12/2019)، إذ نجحت دول الاتحاد الأوروبي في التوصّل إلى تعهّد بالوصول إلى «الحياد الكربوني»، بحلول عام 2050، أي تخفيض الانبعاثات عن طريق فرض ضريبة على الكربون. وبالرغم من أن نقطة ضعف هذا الاتفاق تمثّلت في بقاء بولندا خارجه، والتي طلبت مهلاً إضافية لكونها لا تزال تعتمد على الفحم الحجري الكربوني بشكل رئيسي من أجل توليد الطاقة، يمكن إضافة نقاط ضعف لا تقل أهمية وهي أن هذا الاتفاق لن يكون فعّالاً طالما هو لم يتم تبنيه على المستوى العالمي. فرفع الضريبة على النقل الجوي أو البري، للتخفيف من انبعاثات هذا القطاع، أو على الإنتاج والسلع، من جهة اقتصادية واحدة، سيجعل بعد حين ظروف المنافسة صعبة إذا لم يشمل هذا الإجراء جميع دول العالم، ولا سيما الكبرى والصناعية منها. وهذا ما يردّنا إلى المشكلة الأصل، المتمثّلة في اقتصاد السوق القائم على المنافسة. فكيف يمكن لاقتصاديات العالم القائمة على المنافسة على الأسواق والصراع على الاستحواذ على الوقود والطاقة الأرخص بكل السبل… أن تساهم هي نفسها في إنقاذ مناخ الكوكب واتفاقيات المناخ التي تحتاج إلى «تعاون» دولي، لم تظهر معالمه في أيّ من مؤتمرات المناخ الدولية بعد؟!
ثم ألم تكن انطلاقة تظاهرات «السترات الصفر» في فرنسا، التي جاءت رداً على رفع أسعار المحروقات (ضريبة الكربون)، والتي حملت شعار «مشكلة انخفاض دخل آخر الشهر، أولى من حل مشكلة آخر العالم»، كمؤشر على أن قضية تغيّر المناخ لم ترتقِ إلى مصافّ القضايا الإنسانية والمصيرية الكبرى بعد؟