بدا واضحاً، حتى مساء أمس، أن غالبية الصحف الأميركية حائرة في كيفية التعامل مع اغتيال قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني. ومن هنا، كان التعامل مع الواقع المستجدّ من منطلق أن مَن فرضه هو دونالد ترامب، وبالتالي فهو يمثل إحدى لحظات «تهوّر» الرئيس ليس معروفاً إلى أين ستؤدي.
باربرا سلافين، الباحثة في «مجلس الأطلسي»، اعتبرت، في مقال في صحيفة «ذي نيويورك تايمز»، أن «اغتيال سليماني سيُطلق الفوضى». وانطلاقاً من فكرة أن «الانتقام ليس استراتيجية»، رأت أن هذه الخطوة هي «تصعيد كبير وخطير مع إيران... سيؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار، وخسارة المزيد من الأبرياء». بالنسبة إلى سلافين وغيرها من المحلّلين، فإن المنطق يقول إن «أيّ فرصة للدبلوماسية مع إيران قد قضي عليها خلال الفترة المتبقية من رئاسة ترامب، إذا لم يكن أكثر». وأشارت إلى أن المقامرة التي بدأها ترامب عام 2018 بانسحابه من الاتفاق النووي، تتواصل على نحو أكثر خطورة. وهو ما ذهب إليه أيضاً ديفيد سانجر في مقال آخر في «نيويورك تايمز»، وصف فيه اغتيال سليماني بأنه «مقامرة خطيرة لردع إيران». وإذ لفتت سلافين إلى أن «الدبلوماسيين والعسكريين الأميركيين حول العالم باتوا الآن بحاجة إلى مزيد من الحراسة، كما أن المدنيين قد يكونون أهدافاً، واصفة الوضع الحالي بأنه «تراجيدي، ونتيجة سلسلة من الأخطاء الاستراتيجية»، اعتبر سانجر أن ترامب «الذي طالما ردّد إصراره على الانسحاب من الشرق الأوسط»، «لن يتمكن بعد الآن من الهرب من المنطقة في بقية رئاسته»، على اعتبار أنه «أدخل الولايات المتحدة في قتال لا تُعرف أبعاده، في الوقت الذي يسعى فيه آية الله علي خامنئي إلى الانتقام». ورغم أن سانجر وسلافين وغيرهما حاولوا تأطير التصعيد بين الطرفين ضمن حرب غير تقليدية، استند سانجر إلى الوقائع التاريخية ليقول إن «الإيرانيين لن يواجهوا الولايات المتحدة بشكل مباشر»، مقدّراً أن ردّهم سيكون «بدءاً من العراق، ولكن من الصعب أن ينتهي في ذلك البلد».
الفكرة ذاتها تكرّرت لدى روبن رايت في مجلة «نيويوركر». الأخير ذهب إلى أبعد من ذلك بقليل، مشيراً إلى أن «اغتيال سليماني معادل لعمل حربي». إذ أن هذه الضربة «هي العمل الأميركي الأكثر جرأة في مواجهة إيران منذ الثورة عام 1979»، لافتاً إلى أنها بما تحمله من معانٍ «تمثل تصعيداً صارخاً بين واشنطن وطهران، ويمكن أن تكون لها نتائج عكسية». ولتأكيد ما ذهب إليه، لجأ رايت إلى الجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس، الذي قاد القوات الأميركية في العراق، وعمل لاحقاً مديراً لوكالة الاستخبارات الأميركية. بترايوس، الذي كان سليماني من ألدّ أعدائه على مدى ثماني سنوات، نقل رايت عنه تشديده على أن «هناك عالماً كاملاً من الاحتمالات الآن»، وأن كلّ شيء ممكن «انطلاقاً من انتقام الوكلاء، إلى اختطاف المواطنين الأميركيين، إلى الأعمال ضد الشركاء في التحالف، حتى إلى محاولة القيام بعمل ما في الولايات المتحدة...». لكن السؤال الأهمّ عند رايت يبقى: «هل كان الهجوم الأميركي عملاً حربياً؟». هنا، استعان الكاتب بدوغلاس سيليمان، الذي كان سفيراً للولايات المتحدة في العراق حتى العام الماضي، وهو يدير حالياً «معهد دول الخليج العربي في واشنطن»، ونقل عنه قوله إن «مقتل سليماني يوازي قتل قائد عمليات عسكرية أميركية في الشرق الأوسط وجنوب أفريقيا»، ما يعني أن إيران يمكن أن تردّ بالمثل، وبالتالي فإن اغتيال سليماني عبارة عن عمل حربي.
«ذي أتلانتك»: اغتيال سليماني نقل العنف بين واشنطن وطهران إلى مكان أقرب للحرب المباشرة


في محاولته الإجابة عن السؤال ذاته، رأى مهدي حسن، في موقع «ذي إنترسبت»، أن «ترامب، الذي لم يكن يعرف من هو سليماني قبل أربع سنوات، ربما أعطى إشارة البدء بالحرب العالمية الثالثة». ولكن هل هي فعلاً إرهاصات حرب عالمية ثالثة؟ بالنسبة إلى البعض، إن لم يتحوّل التصعيد بين إيران والولايات المتحدة إلى حرب بالمعنى التقليدي، فلن تكون هناك حرب عالمية ثالثة. ويستند هؤلاء إلى الفكرة التي تقول إن إيران لا تفضّل المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، بل ساحاتها الأخرى كثيرة، ويمكنها أن تكون مساعدة أكثر على تحقيق ردّ انتقامي على اغتيال سليماني. لكن في المقابل، ثمة من يرى أنه في ظلّ رئيس مثل ترامب بات كلّ شيء وارداً، لا سيما أن اغتيال سليماني يعدّ أكثر الأعمال تهوّراً التي قام بها الرئيس منذ تبوئه منصبه. كاثي جيلسينان ومايك جيغليو أكدا ذلك في مقال في مجلة «ذي أتلانتك»، نبّها فيه إلى أن «اغتيال سليمان يؤشر إلى فصل جديد وخطير في منطقة ساعَد سليماني في تشكيلها على مدى أكثر من عقد، كما نقل العنف والتخريب بين الولايات المتحدة وإيران إلى مكان أقرب للحرب المباشرة». الكاتبان تحدثا عمّا ذهب إليه الكثير من المحلّلين الذين شبّهوا اغتيال سليماني باغتيال كلّ من بن لادن وأبو بكر البغدادي، ولكنهما أشارا هنا إلى أن «سليماني يملك القوة والموارد لدولة كاملة وراءه، كما يملك الدعم المفتوح على مستويات عالية في حكومة الدولة حيث قُتل»، أي على عكس بن لادن والبغدادي اللذين قُتلا عندما كانا مختبئين وهاربين. وبينما لفت الكاتبان إلى أن «الأيام المقبلة ستُظهر ما ستقوم به إيران»، فقد نقلا عن إيان غولدبرغ، الذي عمل في الشأن الإيراني في وزارة الدفاع خلال عهد الرئيس باراك أوباما، قوله إن «الردّ قد يتضمّن تصعيداً في العراق أو هجمات صاروخية على حلفاء واشنطن الإقليميين مثل السعودية أو الإمارات».