بغداد | على اختلاف توجّهاتها ومواقفها، تواجه الأحزاب والقوى العراقية تحدّياً جدّياً قد يكون الأصعب منذ سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم «داعش» في حزيران/ يونيو 2014. هذه القوى، وبدءاً من اليوم، أمام تحدّي تحقيق استقلال البلاد وسيادتها، بعد العدوانين الأميركيين في الأيام القليلة الماضية، والذي أسفر ثانيهما عن استشهاد نائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس، إلى جانب قائد «قوّة القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وآخرين. الأميركيون، بعدوانهم ووقاحته، لا يحسبون حساباً للدولة العراقية كما بدا واضحاً، بل ينظرون إلى هذا البلد كساحة لتصفية حساباتهم مع إيران وحلفائها. اغتيال المهندس (بمعزلٍ عما سيؤول إليه الموقف الإيراني من اغتيال سليماني) يفرض على الدولة العراقية إعادة الاعتبار إلى موقعها الهشّ، خصوصاً أن الشهيد المهندس شخصية رسمية تتولّى منصباً حكومياً فيها، يمثّل جوهر الروح الوطنية في الحرب على «داعش» (2014 - 2018).ويأتي اغتيال نائب رئيس هيئة «الحشد» في سياق مشروع أميركي لتصفية الأخير. قبل أشهر، وفي لقاء مع «الأخبار»، أشار المهندس إلى أن واشنطن «تقود مشروعاً لتصفية الحشد والقضاء عليه، وتفريغه من البيئة المحيطة به والمؤيدة له»، مضيفاً أن «المشروع بدأ باستهداف مقارّ الحشد (الصيف الماضي)، وسيُتبع بتصفيات جسدية لقادة الحشد وفصائل المقاومة». كانت لدى المهندس معطيات تفيد بأن انتصار العراقيين على «داعش»، بالتعاون مع الإيرانيين، ومن دون الحاجة الفعلية إلى الولايات المتحدة، سيكون سبباً كافياً لإطلاق مشروع تصفية «الحشد» الذي بات يمثّل يد العراق الطولى، بل ولم يعد محصوراً داخل حدوده. دور المهندس ورفاقه في بناء «قوة وطنية ذات قرار سيادي مستقل»، كان جزءاً لا يتجزّأ من مقدمات عملية الاغتيال.
قضت واشنطن على قائد عراقي كان له الدور الأبرز في الانتصار على «داعش»، مفتتحةً بذلك العام بـ«تصعيد خطير يشعل فتيل حرب مدمّرة في العراق والمنطقة والعالم»، بتعبير رئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي، الذي اعتبر، في بيان، أن «اغتيال قائد عسكري عراقي يشغل منصباً رسمياً يُعدّ عدواناً على العراق دولة وحكومة وشعباً»، مضيفاً أن العدوان الأميركي يشكّل «خرقاً فاضحاً لشروط تواجد القوات الأميركية في العراق، ودورها المحصور بتدريب القوات العراقية ومحاربة داعش، ضمن قوات التحالف الدولي وتحت إشراف الحكومة العراقية»، داعياً الكتل البرلمانية إلى «جلسة استثنائية استناداً إلى أحكام المادة 58 من الدستور، لتنظيم الموقف الرسمي واتخاذ القرارات التشريعية والإجراءات الضرورية المناسبة».
عبد المهدي رفض تلقّي أيّ اتصال من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو


وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن عبد المهدي رفض تلقّي أيّ اتصال من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو، احتجاجاً على عملية الاغتيال، توازياً مع سعيه إلى دفع البرلمان لـ«إعادة النظر» في الاتفاقية الأمنية «صوفا» (2009) المعنية بتنظيم عملية الانسحاب الأميركي من العراق، والقسم الثالث من اتفاقية الإطار الاستراتيجي (المعنية بتنظيم عملية التعاون العسكري والأمني بين الجانبين، والموقعة عام 2008). لكن وفق المعلومات، فإن اتصالات الساعات الماضية كشفت عن تضارب في وجهات النظر في هذا الشأن بين كتل «البيت الشيعي»، والمنقسمة على ثلاثة آراء:
1- «تحالف البناء» (ائتلاف نيابي يضمّ هادي العامري ونوري المالكي وآخرين) يدفع في اتجاه إقرار قانون إخراج الأميركيين.
2- كتلتا عمار الحكيم وحيدر العبادي تقولان إن الإلغاء يجب أن يكون عن طريق الحكومة وليس البرلمان، على اعتبار أن الأمر متعلّق بـ«اتفاقية» وبالتالي فهو لا يحتاج إلى قانون. لكن في الواقع، يبدو موقفهما أقرب إلى مناورة سياسية تغطّيان من خلالها تهرّبهما من المواقفة على مشروع القانون.
3- كتلة مقتدى الصدر، وعلى رغم أن موقف زعيمها بدا عالي السقف في الساعات الأخيرة، إلا أن ما ستتبنّاه في هذا الإطار ليس مضموناً بشكل كامل، وعليه، يفترض الانتظار حتى غد الأحد، موعد الجلسة المرتقبة، لمعرفة توجّهها الحقيقي.
على خطّ موازٍ، تتجّه الأنظار إلى ما سيكون عليه موقف فصائل المقاومة، سواءً تم إقرار القانون في البرلمان أم لم يتمّ، علماً أن الفصائل باتت تملك الحق الكامل في الركون إلى الخيار الميداني، والذي سيدخل معه العراق والمنطقة - في حال تحقّقه - مرحلة جديدة من المواجهة.