روى لي صحافي بريطاني يعمل في إحدى المطبوعات المتخصصة في مجال النفط مرّةً كيف أنه صادف الرئيسين الفنزويلي هوغو تشافيز والإيراني محمود أحمدي نجاد في قمة أوبك في الرياض عام 2007. كان الرئيسان يسيران مترابطي الذراعين ونظَرا إلى الصحافيين المتجمهرين وقال لهم الرفيق تشافيز ضاحكاً: «باد بويز Bad Boys» أو «فتيان أشقياء».
كان الرئيسان في حينها بمثابة الأشقاء الأشقياء، يتناوبان على تسبيب أوجاع الرأس والمفاصل لواشنطن وطغمتها الامبريالية. غيّب الموت الشقيّ الأول مبكراً، بينما استبدلت الديمقراطية بنسختها الإيرانية الشقيّ الثاني برئيس الانفتاح على الغرب، والذي تفضّله الطبقة العليا والمتوسطة في إيران. محمود أحمدي نجاد هو أكثر رؤساء إيران يسارية منذ أيام محمد مصدق، رئيس الحكومة الإيراني الذي أطاحته وكالة الاستخبارات الأميركية بعد سنة ونيف من تأميمه لصناعة النفط الإيرانية في عيد العمال عام 1951. أما هوغو تشافيز، فانتظر إلى ما بعد إفشال محاولة انقلاب واشنطن لينظف صناعة النفط في فنزويلا من الموظفين الموالين للمستعمر الناهب لخيرات بلده. تدخل الثورة الإسلامية في إيران اليوم عقدها الخامس، بينما تبدأ الثورة البوليفارية في فنزويلا عقدها الثالث، ويشغَل شقاء خلفاء الـ«باد بويز» الأصليين واشنطن أكثر من أي وقت مضى.
غرّدت محطة CNBC الأميركية عن اغتيال قاسم سليماني، أو سوبرماني لا فرق، أن الولايات المتحدة الأميركية أزالت الـ«باد بوي» الرقم واحد في العالم، بينما لا تزال واشنطن تحاول أن تقنع نفسها والعالم بأن الأوتبوري خوان غوايدو، الذي لم يتمكن حتى الآن أي من مشغليه في واشنطن من لفظ اسمه بطريقة صحيحة، هو رئيسٌ ولو للجنة البناية التي يسكنها في كراكاس. على فكرة، بومبيو المشغل الرئيسي لغوايدو، هو أكثر من «يجزّر» في محاولته لفظ اسمه لأنه يحتقره ولا يراه يستحق الجهد لأن يتعلّم حتى اسمه، ومع ذلك هناك كثيرون هنا في بيروت ممن يحرصون على التصحيح لمن يحتقر بومبيو ويلفظ اسمه بالعربية. بالعودة إلى غوايدو، هو فعلاً أوتبوري وقد يكون أنجح متخرّجي المدرسة الأوتبورية الصربية. هذا الفاشل الذليل هو وجه الصحّارة، فتصوّروا «كعب الصحّارة» الموجودين بيننا. من يهوّل من مخاطر الأوتبوريين لا يمكن أخذه على محمل الجد، فمعظم من حضر التدريبات في بلغراد انتهازي أبله معجب بالمستعمِر الغربي، لا بل لاعق لحذائه. هؤلاء هم الـ«غود بويز Good Boys»، أو الغلمان المطيعون.
في حديثي مع الصحافي البريطاني السابق الذكر، قلت له إن الحياة لن تستقيم عدلاً إلاّ عند رؤيتنا لرتلٍ من الدبابات العراقية تجوب دوار البيكاديللي في لندن. ضحك ولم يستوعب أنني كنت أتكلّم بجدية. لم يكن قادراً على تصور أن عاصمته العظيمة التي يحبها قد يدخلها غزاة سمر البشرة. هيمنة الخطاب الاستعماري تغيّب هذا السيناريو حتى عن أفلام الخيال العلمي، حيث قد يلقى المستعمر الغربي هزيمة (مؤقتة) على أيدي مخلوقات فضائية وهمية لكن لن يصعد أبداً من صنّفه الاستعمار عالماً ثالثاً إلى مستواه.
عقب اغتيال الـ«باد بوي» الرقم واحد، انتشر شعار «انتقام سخت» الفارسي على مواقع التواصل الايرانية، وترجمت العبارة إلى «الانتقام حتماً» بالعربية. طبعاً الانتقام هو لمن لديه القدرة على الانتقام. لكن على المستوى الفردي لمواطن في بلاد تخضع للاستعمار ممّن يصنّفنا إما غلماناً مطيعين أو فتياناً أشقياء، فالخيار الوحيد لمن لن يقبل بالاحتقار المؤبد هو أن نكون «باد بويز» حتماً.