لا جدال في أن مصلحة إسرائيل تكمن في مواجهة عسكرية أميركية ــــ إيرانية تنتهي بهزيمة الجمهورية الإسلامية وإخضاعها، أو إسقاط نظامها، أو دفعها إلى التموضع الدفاعي الدائم، بعيداً عن النفوذ الإقليمي. وانطلاقاً من تلك المصلحة، تعمل إسرائيل، في تعاطيها مع التطورات الأخيرة، في اتجاهين: الأول وسطي، ظاهر ومعلن؛ والثاني أكثر من استراتيجي، يتعلق بالأفعال والإجراءات المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة، سواء في المواجهة كما هي في مستوياتها الحالية، أو في ما هو مؤمل لها إسرائيلياً. في الاتجاه الأول، تتحرك إسرائيل في ما بين إظهار تأييدها لخطوات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التصعيدية في مواجهة إيران، وما بين العمل على منع تظهير التحريض الإسرائيلي على المواجهة. وفي هذا الإطار، تحرص تل أبيب على تصدير رسائل ردعية باتجاه طهران وحلفائها، وكذلك رسائل طمأنة لجمهورها، عبر تأكيد اقتدارها في مواجهة سيناريوات متطرفة ترى أنها باتت غير منتفية، وربما مرجحة، وخصوصاً لجهة أن تكون هي أيضاً على مهداف الردود إن تطورت المواجهة الإيرانية ــــ الأميركية إلى مستويات أعلى مما هي عليه الآن.مع ذلك، فإن أهمّ ما يستهلك الجهد الإسرائيلي الحالي هو الحؤول دون تَحقّق العنوان السياسي للمرحلة كما أُعلن من طهران وقادة المحور الآخر: إخراج القوات الأميركية من المنطقة. هذا الهدف، إن تَحقّق بالفعل، فسيتجاوز دلالاته الآنية بالنسبة إلى إسرائيل؛ إذ إنه يمثل تهديداً استراتيجياً يقترب من معانٍ وجودية، ويتعذّر على إسرائيل التعايش معه، وخصوصاً إذا ما تمّ الانسحاب من دون أن يكون الأميركي قد فرض قواعد اشتباك في المنطقة تَحدّ من قدرات إيران على تعظيم النفوذ الإقليمي في مواجهة إسرائيل. وعلى هذا، يمكن فهم المواقف التي تصدر من تل أبيب، بما يشمل المواقف العلنية المؤيدة لـ«دفاع أميركا عن نفسها»، مع استحضار دائم للقدرة الإسرائيلية على الردّ المؤلم إن تفاقمت الأمور، وتَلقّت تل أبيب جزءاً من ردود إيران وحلفائها. ومن بين تلك المواقف ما صدر أمس عن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي هنّأ ترامب على «العمل السريع والشجاع والحازم ضدّ كبير الإرهابيين (الشهيد قاسم سليماني) الذي كان المخطِّط والمحرِّك وراء الإرهاب الإيراني في كلّ أنحاء الشرق الأوسط والعالم»، معتبراً أن ما يرد على لسانه (نتنياهو) هو «ما يعتقده زعماء كثيرون في الشرق الأوسط». وقال نتنياهو: «من المهم جداً القول إن إسرائيل تقف تماماً إلى جانب الولايات المتحدة. أودّ أن أقول ما قلته مرات عدة وأكرر ذلك اليوم: لا صديقة أفضل لأميركا من إسرائيل، ولا صديقة أفضل لإسرائيل من الولايات المتحدة». أما الشق التهديدي من كلامه، فكان: «نقف ونحن أقوياء أمام أولئك الذين يريدون أن يقتلونا. من سيحاول مهاجمتنا، فسيتلقى ضربة حاسمة للغاية».
تخشى إسرائيل من إمكانية انسحاب الأميركي من دون أن يكون قد فرض قواعد اشتباك جديدة


من جهته، كرّر وزير الخارجية، يسرائيل كاتس، تقدير إسرائيل وترحيبها بـ«مواجهة أميركا الإرهاب الإيراني»، وأكد «دعم إسرائيل للأميركيين، والوقوف إلى جانبهم»، معتبراً أنه «ليس هناك أعدل وأصحّ من قرار ترامب تصفية سليماني الذي كان الرقم الأول في جهة الإرهاب في المنطقة والعالم. من دون سليماني، الشرق الأوسط سيكون مكاناً أفضل». وأضاف كاتس إن «إسرائيل حرصت دائماً على اتخاذ القرارات المطلوبة وحدها، والعمل بنفسها إزاء أيّ تهديد محتمل، وكذلك ستفعل هذه المرة. إيران لا تستطيع السماح لنفسها بالتهديد والتصرف ضد إسرائيل، وإذا فعلت ذلك فستلقى الرد المناسب». والجدير ذكره، أيضاً، أن رئيس حزب «أزرق أبيض»، بيني غانتس، غرّد، هو الآخر، في أعقاب تلقّيه أخبار القصف الإيراني للقواعد الأميركية في العراق، بالقول إن «الهجوم الإيراني يثبت مرة أخرى أن إيران هي خطر على السلام في العالم واستقرار الشرق الأوسط. الجيش الإسرائيلي هو الأقوى في المنطقة ولا أنصح أيّ شخص بجرّنا إلى حدث لا يتعلق بنا ووضعنا في موضع اختبار. إذا حاولوا، لا سمح الله، جرّنا إلى هذا الحدث، أنا مقتنع بأن الردّ سيكون قوياً وشديداً وحاسماً».
على أيّ حال، يبدو واضحاً أن المرحلة، بالنسبة إلى تل أبيب، هي مرحلة انتظار وأمل (مفرط) بتدحرج التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران إلى مواجهة واسعة تفضي إلى كسر الجمهورية الإسلامية، وتقليص أو إنهاء تهديدها لإسرائيل. لكن المرحلة مشبعة أيضاً بإشارات تهديد مقبلة، من بينها ما يلامس التهديدات الوجودية لإسرائيل، والتي تبدأ من إمكان استهدافها ضمن سياق التصعيد، وصولاً إلى الانكفاء الأميركي، وربما أيضاً الانسحاب من المنطقة، وهو الهدف المُحدَّد من المحور المقابل، الأمر الذي يفسّر تشدّد تل أبيب في إطلاق التهديدات.