حتى لو سعت الولايات المتحدة إلى إثارة الفتن فإنها لن تمنع العمليات ضدّ جيشها المحتل
كيف نجح «حزب الحرب» المحيط بترامب في إقناعه بضرورة اغتيال الفريق الشهيد قاسم سليماني، على الرغم من علم أقطابه بخشية الرئيس الأميركي من الإقدام على أيّ خطوة قد تُسبّب حرباً مرتفعة الأكلاف مع إيران، تهدّد فرصه في الفوز برئاسة ثانية؟ الفكرة المركزية التي طرحها هؤلاء على ترامب هي ضرورة استعادة الولايات المتحدة لهيبتها بعد أن تعرّضت للاهتزاز نتيجة لسلسلة من العمليات قامت بها إيران أو اتُّهمت بالمسؤولية عنها، كضرب عدد من ناقلات النفط في الخليج أو قصف منشأتَي «أرامكو» في السعودية أو إسقاط طائرة التجسّس المسيّرة الأميركية. لكن شرط استعادة الهيبة لا يتمثّل فقط في توجيه ضربة مؤلمة لإيران، بل في ردعها عن المباشرة بردّ عليها يشكل تحدّياً جديداً للولايات المتحدة وتحفيزاً لأطراف محور المقاومة الآخرين على شنّ هجمات ضدها. كان لافتاً، بعد عملية الاغتيال، تهديد الرئيس الأميركي لإيران بتوجيه ضربات مدمّرة لها في حال مهاجمتها لأهداف أميركية، لكن طهران لم تتردّد في الردّ، فيما توعّدت فصائل محور المقاومة، بدورها، العدو الأميركي، بأنها سترفع من مستوى مواجهتها معه.
ترامب مدرك لدقة الموقف الذي يجد نفسه فيه: 11 شهراً تفصله عن الانتخابات الرئاسية، وإذا استطاعت قوى المقاومة العراقية تصعيد جميع أشكال النضال الشعبي، السلمي والمسلّح، ضدّ القوات الأميركية التي فقدت المبرّرات الشرعية الشكلية لوجودها، بعد تصويت البرلمان على قرار يدعو إلى انسحابها من بلده، فإن مزاج قطاع لا يستهان به من كتلته الانتخابية سينقلب ضده. مشاهد عشرات آلاف العراقيين يتظاهرون يومياً ضدّ السفارة والقواعد الأميركية، وعمليات تنظيمات المقاومة ضدّ جيش الاحتلال، كفيلة في فترة قصيرة نسبياً بحمل هذا القطاع، وقطاعات أخرى من الشعب الأميركي معارضة أساساً لترامب، على رفع الصوت ضدّ بقاء الجيش في العراق، ودفع خصومه السياسيين إلى استغلال هذا التذمّر ضدّه وتسعيره إلى أقصى الحدود. الخيارات المتاحة أمام ترامب، في حال رجحان مثل هذا السيناريو، هي إما الانسحاب من العراق أو الدخول في حرب مفتوحة مع فصائل المقاومة في داخل هذا البلد، مع احتمال شنّ هجمات أخرى ضدّ إيران بتحريض من «حزب الحرب» الذي سيتهمها بالمسؤولية عن عمليات المقاومة. الخيار الأول هو الخيار الأكثر انسجاماً مع أولويات ترامب الانتخابية وسعيه إلى الاحتفاظ بتأييد قسم معتبَر من ناخبيه. الخيار الثاني يعني الغرق مرة أخرى في نزاع دامٍ ومرتفع الكلفة مع الشعب العراقي وقواه الوطنية والاضطرار بالنتيجة، وتحت النار، إلى الخروج المذلّ من بلاد الرافدين. وحتى لو سعت الولايات المتحدة إلى إثارة الفتن والانقسامات الطائفية أو الإثنية في العراق، فإن هذا الأمر لن يمنع استمرار العمليات ضدّ جيشها المحتل. لا خيار أمامها سوى الانسحاب عاجلاً أو آجلاً، والأقلّ تكلفة بالنسبة إليها هو طبعاً عاجلاً، لكنها في الحالتين، ومع خروجها من العراق، ستكون قد فقدت الكثير من هيبتها على الصعيدين الإقليمي والعالمي.