استؤنفت المفاوضات بين واشنطن وحركة «طالبان» في الدوحة بعد انقطاع دام قرابة الشهر. المنحى الثابت في الجولة الجديدة، هو إشارة الطرفين إلى اتفاق سلام يبدو أنه بات مكتمل العناصر، ينهي مأزق المراوحة الذي طبع الجولات السابقة، ويمهّد الطريق أمام خروج الأميركيين مِن أفغانستان. في هذا الوقت، أضاف الأميركيون شرطاً إضافياً إلى سلّة شروطهم لـ«السلام»؛ فإلى جانب مطالبتهم بوقف شامل لإطلاق النار في أفغانستان، يسعى هؤلاء إلى حرف عملية التفاوض عن هدفها الرئيس، عبر دعوة «طالبان» إلى قطع علاقاتها بإيران. وفيما لم تعلن الحركة موقفاً واضحاً إزاء الشرط الأخير، إلا أنها تتّجه إلى اعتماد الشرط الرئيس بالسقف الذي يناسبها، أي أن يكون موقتاً ومتزامناً مع توقيع الاتفاق، على أن يشمل القوات الأميركية حصراً، وليس نظيرتها الأفغانية.لا تزال «طالبان» متحفظة إزاء الإعلان رسمياً عن بنود الاتفاق، لكن الإشارة إلى استعدادها لـ«الحدّ من العنف»، جاءت على لسان وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قرشي، الذي اعتبر مِن واشنطن أن الحركة «براغماتية»، ولكنها «ليست حمقاء». قرشي، الذي التقى نظيره الأميركي مايك بومبيو، مساء أمس، لإجراء محادثات تناولت الزخم الذي يحيط بجهود إبرام اتفاق بين الولايات المتحدة و«طالبان»، دعا أميركا إلى الانخراط في أفغانستان عبر إعادة الإعمار وليس القتال، في حال نجحت في سحب قواتها من هناك وإنهاء أطول حروبها الخارجية. وحذّرها من إهمال هذا البلد مجدداً كما حدث بعد عام 1989 عقب انسحاب القوات السوفياتية منه تحت ضغط المقاتلين الإسلاميين المدعومين من واشنطن وإسلام أباد، قائلاً في كلمة له أمام «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، أول من أمس، إنه «حتى لو تمّ إبرام اتفاق ناجح، فإن التحديات ستبقى ماثلة، لذلك يتعيّن على الولايات المتحدة أن تقوم مع أصدقائها وشركائها في التحالف بانسحاب أكثر مسؤولية».
وافقت «طالبان» على وقف مؤقّت لإطلاق النار في يوم توقيع اتّفاق السلام


في موازاة ذلك، أكدت «طالبان»، على لسان الناطق باسم مكتبها السياسي في الدوحة، سهيل شاهين، أن المحادثات بين المفاوضين من الحركة والولايات المتحدة، يومَي الأربعاء والخميس، كانت «مثمرة». وقال شاهين إن فريق التفاوض برئاسة نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، الملا عبد الغني براذر، التقى المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، وناقشا «توقيع اتفاق السلام في أفغانستان»، مضيفاً أن المفاوضات ستستمرّ عدة أيام، بعد تعليقها مجدداً منتصف الشهر الماضي بحجّة هجوم نفّذته الحركة قرب قاعدة «باغرام» الأميركية.
وفي حين لم يعلّق شاهين على المعلومات التي تحدّثت عن موافقة «طالبان» على وقف مؤقّت لإطلاق النار في أفغانستان يشمل القوات الأميركية والأفغانية، نقلت وكالة «رويترز» عن مصدرين قولهما إن قيادة «طالبان» العليا وافقت على الالتزام بهذا الشرط لمدّة عشرة أيام، على أن يشمل القوات الأميركية، في مقابل «التخفيف من حدّة الهجمات» التي تستهدف القوات الأفغانية. ويلي ذلك، وفق المسؤول ذاته، بدء محادثات مع حكومة كابول، لكن شريطة توقيع الاتفاق أولاً، والذي سيؤدّي إلى بدء انسحاب قوات الاحتلال الأميركية من هذا البلد، كركيزة في أيّ اتفاق مرتقب. في هذا السياق، أشار مسؤول كبير في الحركة إلى أن واشنطن طلبت إعلان «طالبان» الالتزام بوقف النار خلال محادثات السلام «وهو ما رفضناه»، لكن «مجلس الشورى في الحركة وافق على وقف إطلاق النار في يوم توقيع اتّفاق السلام». وفور التوصل إلى الاتفاق، يمكن لـ«طالبان» والحكومة الأفغانية أن تعقدا اجتماعاً مباشراً في ألمانيا، وفق المصدر نفسه. كذلك، أعلن وزير الدولة لشؤون السلام الأفغاني، عبد السلام رحيمي، أن حكومة كابول مستعدة لإجراء محادثات سلام مباشرة مع الحركة، موضحاً أن ذلك سيجري بعد توقيع اتفاق بين «طالبان» والأميركيين، وأن قائمة الوفود التي ستشارك في المحادثات قد اكتملت، لكنه أكد ضرورة إعلان الحركة وقفاً شاملاً لإطلاق النار لبدء محادثات، لأن «خفض العنف لا يعني شيئاً».