في أواخر القرن التاسع عشر، أصبحت الأرجنتين أوّل بلد تقام فيه بطولة رسمية لكرة القدم بعد الجزر البريطانية، مسقط رأس اللعبة. منذ البداية، اتجهت اللعبة، عبر المحيط الأطلنطي، متجاوزة في طريقها قارّتَي أوروبا وأفريقيا وشمال أميركا الجنوبية، لتحطّ رحالها أسفل القارة اللاتينية، وتحديداً على سواحل بوينس إيريس، ومنها إلى كلّ أرجاء البلاد. هناك، أخذت كرة القدم بعداً آخر، وتفوقت بجماهيرها وأجوائها على البلد الأم الذي أتت منه (يجلّي الفيلم الأرجنتيني الإسباني «El secreto de sus ojos» الشغف باللعبة في شخصية القاتل الذي يستخدم أسماء وأرقام لاعبي نادي الراسينق في تشفير رسائله إلى والدته). تزامن ذلك مع الهجرات الأوروبية الكبيرة إلى سواحل الأرجنتين والأورغواي أواخر القرن التاسع عشر، حيث أصبحت نسبة السكّان من أصول أوروبية تصل إلى ما يقارب الـ90% من النسيج الديموغرافي للبلدين. وبفضل المهاجرين، تَأسّس نادي «بوكا جونيورز»، الذي تُعرف جماهيره باسم «سينيسي» للدلالة على أصول ناديها الذي يعود الفضل في تأسيسه إلى المهاجرين من مدينة جنوة الإيطالية.يُمثل «البوكا»، في المعادلة الطبقية، الفقراء والطبقة العاملة، مقارنةً بنظيره وغريمه التقليدي، نادي الميليونيرات، «ريفر بليت»، الذي يمثل الأثرياء. «السوبركلاسيكو» الذي يجمع بين الناديين صَنّفته جريدة «الأوبزرفير» في المرتبة الأولى ضمن تقريرها الشهير «الأمور الرياضية الخمسون التي يجب عليك القيام بها قبل أن تموت». لقاءات الناديَين عنيفة بطبيعتها؛ عندما أنتقل أوسكار روجيري من «البوكا» إلى «ريفر بليت» سنة 1985، وسجّل هدفاً ضدّ ناديه السابق، كَلّفه ذلك حرق منزله ووالديه في الداخل. في المباراة نفسها، تَحوّل لاعب «البوكا»، روبيرتو باسوتشي، إلى بطل لدى الجماهير، بسبب تدخله العنيف ضدّ زميله السابق. ليس هذا غريباً على الجماهير التي تغني باستمرار: «عندما أموت لا أريد أزهاراً على قبري بل قميص البوكا».
أهمية كرة القدم في الأرجنتين جعلت جميع وسائل الإعلام، الأرجنتينية والعالمية، تولي اهتماماً كبيراً للانتخابات الرئاسية في نادي «بوكا جونيورز» في الثامن من الشهر الماضي (لدرجة أن صحيفة «ذا ساويتن» الجنوب أفريقية وصفتها بأنها «بمثابة إعادة للانتخابات الرئاسية الأرجنتينية الأخيرة»)، والتي أسفرت عن فوز قائمة نجم الفريق السابق خوان رومان ريكيلمي، على حساب قائمتَي الأسطورة الأرجنتينية دييغو أرماندو مارادونا، والهدّاف التاريخي السابق (بين عامي 1998 و2016) للمنتخب الأرجنتيني غابرييل عمر باتيستوتا. إلى هنا، تبدو المنافسة بين نجوم سابقين على منصب إداري (وفق تناول وسائل الإعلام العالمية) في النادي الأكثر شعبية في البلاد. لكن عملياً، كلّ من «الساحر» و«يد الله» (تسمية جاءت بعد هدف مارادونا الشهير بيده ضدّ إنجلترا في كأس العالم 1986، والذي عُدّ «عقاباً إلهياً» للإنجليز على حرب جزر الفوكلاند بين البلدين قبل أربع سنوات من البطولة) و«باتيغول»، أيْ ريكيلمي ومارادونا وباتيستوتا على التوالي، كانوا مجرّد داعمين لصيغ انتخابية، باستثناء ريكيلمي الذي سيصبح النائب الثاني للرئيس المقبل ومسؤولاً عن إدارة كرة القدم في النادي.
جرت العادة أن ينزع المرشحون الرئاسيون إلى الاستعانة بنجوم النادي السابقين لإضفاء زخم إعلامي على مشاريعهم الانتخابية. أيّد مارادونا، كريستيان غريباودو، وهو برلماني سابق ينتمي إلى حزب «الاقتراح الجمهوري» اليميني، أحد الأحزاب التي يتكون منها ائتلاف «كامبييموس» الذي يترأسه رئيس جمهورية الأرجنتين السابق (انتهت ولايته يوم 10 تشرين الأول/ديسمبر) ماوريسيو ماكري، فيما كان باتيستوتا يدعم خوسية بيرالدي، الذي حلّ أخيراً. إذاً، المنتصر الفعلي هو خورخي أمور أميل، الذي ترأس النادي بالإنابة عام 2008 بعد وفاة الرئيس السابق بيدرو بومبيليو، قبل أن يخسر الرئاسة في انتخابات 2011 لصالح دانييل إنجليسي المدعوم من قِبَل ماكري، عندما توترت علاقته بهما. بذلك، أنهى فوز أمور أميل، بمعونة ريكيلمي، ربع قرن من الهيمنة «الماكرية» على النادي (على اعتبار أنه في ولاية أمور أميل السابقة كان حليفاً لماكري). حقيقةً، لا يمثل أمور أميل، الذي برز في إدارة ماكري منذ أواخر التسعينيات قبل أن تتوتر العلاقات بينهما، أيّ تيار سياسي في الأرجنتين، فيما يؤكد ريكيلمي دائماً أن لا علاقة له بالسياسة، وأن كلّ تركيزه ينصب ّعلى كرة القدم فقط، على رغم أن تصريحه الأخير عن أن «البلد كلّه يعلم أنه يتعين علينا الفوز» فُسّر على أن هناك أهمية سياسية في التصويت (شهدت هذه الانتخابات أعلى نسبة تصويت في تاريخ الأرجنتين، حيث بلغ عدد المصوّتين أكثر من 38 ألف عضو، محطّماً بذلك رقم الغريم ريفر بليت قبل عامين عندما بلغ عدد المصوّتين 18 ألفاً. كما أنه يمثل ثاني أكبر نسبة تصويت عالمياً بعد انتخابات نادي برشلونة الإسباني سنة 2010، والتي سجلت تصويت أكثر من 57 ألف عضو).
مع هذا، تكلمت الصحافة الأرجنتينية بوضوح عن تحرك شخصيات بارزة من ائتلاف «فرينتي دي تودوس»، أسفر عن انتخاب ألبيرتو فيرنانديز رئيساً في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، من أجل استقطاب ريكيلمي إلى فريق أمور أميل ضد محاولات مُرشح ماكري الحصول على دعم «المعبود» من قِبَل جماهير «البوكا». أحد الأحزاب التي يتشكل منها الائتلاف هو حزب «جبهة التجديد» بقيادة رئيس الوزراء السابق ورئيس البرلمان الحالي، سيرجيو ماسا، الذي تربطه علاقة متينة باللاعب، لكن خوان كابندي، الذي أصبح اليوم وزيراً للبيئة، هو من كان له الفضل في كسب ودّ ريكيلمي ضمن صفوف «البيرونيين». تحالف أمور أميل - ريكيلمي يضمّ أيضاً، إلى جانب الصحافي والمذيع التلفزيوني ماريو بيرغوليني كنائب أول، البرلماني السابق والنقابي «البيروني» البارز روبيرت ديقون كنائب ثالث، الذي كان نائب ماكري في منتصف التسعينيات قبل أن يصبح من أشدّ المعارضين له، ليس في إدارة النادي فقط، بل حتى في الحقل السياسي أيضاً؛ إذ اتّهم ديقون، ماكري وصديقه (مدير وكالة الاستخبارات) غوستافو أريباس، بالتواطؤ مع جواسيس أميركيين وإسرائيليين في أعمال جاسوسية داخل الأرجنتين كما كان يفعل ذلك سابقاً في النادي. «بوكا لم يعد نادي المدينة»، بهذه العبارة يدين ديقون تحوّل النادي إلى ملكية خاصة لحزب «الاقتراح الجمهوري» اليميني الذي يعنى بالربح المادي وغسيل الأموال فقط، وفق تعبيره. بقي أن نعلم أن القائمة التي ضمّت الرباعي أميل أمور وبيرغوليني وريكيلمي وديقون، كانت تحمل أسم «جبهة استعادة هوية سينيسي»، للدلالة على استعادة هوية النادي الذي مَثّل تاريخياً المهاجرين والفقراء والطبقة العاملة في الأرجنتين، لا رجال الأعمال.
تتّضح أهمية نادي حيّ «لا بوكا» (الذي كان مركز الاحتجاجات في أزمة 1998-2002) أكثر عندما نعلم أن بعض الإحصائيات، في البلد الذي يهتمّ 90% من سكانه بمشاهدة كرة القدم، تقول بأن النادي يحظى بتشجيع أكثر من 50% من جمهور الأندية الأرجنتينية، ما يعني أن نصف الأرجنتينيين تقريباً يشجّعون «البوكا»، فيما يشجع النصف الآخر بقية الأندية التي يبلغ عددها أكثر من 3.3 آلاف نادي كرة قدم معترف بها رسمياً، لكلّ واحد منها قصته الخاصة. تحتوي بيونيس أيريس وحدها على أكثر من 50 نادي كرة قدم، كأكثر مدينة في العالم تتواجد فيها أندية كروية، وثاني أكبر مدينة في العالم حققت أنديتها ألقاب، محلية وإقليمية وعالمية، بعد ساو باولو البرازيلية.
يتضح الخيط الخفي الواصل بين الرياضة والسياسة في مسيرة الرئيس السابق ماوريسيو ماكري


يتضح الخيط الخفي الواصل بين الرياضة والسياسة، أو قُل انعكاسات كرة القدم على السياسة، في مسيرة الرئيس السابق. لقد كان النادي «الأزرق والذهبي» سبباً في صعود ماكري إلى السلطة، كما حدث مع رجب طيب أردوغان في تركيا، بخلاف أن الأخير (وهو لاعب كرة قدم سابق في نادي قاسم باشا التركي) بدأ من بلدية بيوغلو في قلب مدينة إسطنبول، مروراً بعُمودية المدينة نفسها، إلى رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية التركية، بينما تمكن ماكري بفضل النادي العاصمي الذي ترأسه عام 1995، من الوصول إلى البرلمان عن دائرة بيونيس أيريس عام 2005، ومنها إلى رئاسة حكومة بيونيس أيريس بين عامي 2007 و2015، لينتهي إلى رئاسة البلاد، محققاً بذلك صعود اليمين في البلد الذي اعتنق «الكيرشنرية» (- التي تمثل الجناح اليساري داخل أروقة «البيرونية» - نسبةً إلى نيستور كيرشنر وزوجته كريستينا فيرنانديز دي كيرشنر اللذين تناوبا على حكم البلاد) منذ سنة 2003، قبل أن تعود «الكيرشنرية» من جديد بانتخاب ألبيرتو فيرنانديز رئيساً مع كريستينا فيرنانديز كيرشنر كنائبه له في انتخابات تشرين الأول الماضي.
الرئيس الجديد، بدوره، مشجع مُتعصِّب لنادي «أرجنتينوس جونيورز»، الذي كان إسمه في بداية تأسيسه «شهداء شيكاغو» تعاطفاً مع المجزرة التي لحقت بالعمال والنشطاء الأناركيين في ميدان هايماركت سنة 1886( المعروف بألوانه الحمراء والبيضاء تكريماً للحزب الاشتراكي الأرجنتيني، وألفريدو بالاسيوس أول برلماني اشتراكي مُنتخب في أميركا الجنوبية سنة 1904). كما أن حكومة فيرنانديز تضمّ رئيس نادي «سان لورينزو» ماتياس لامينس كوزير للسياحة والرياضة، فيما كان وزير الأشغال العامة غابريال كاتابوديس لاعباً سابقاً لنادي «جيمناسيا»، وهناك ماريا شقيقة مدرب المنتخب الوطني السابق مارسيلو بيلسا في منصب وزيرة التنمية الإقليمية. موقع «سين موردازا» أخذ على عاتقه كشف هوية الأندية الأكثر تشجيعاً داخل الحكومة الجديدة؛ رئيس الوزراء ووزراء الدفاع والخارجية والتعليم يشجعون «ريفر بليت»، ثم هناك ثلاثة وزراء لكلّ من «سان لورينزو» و«بوكا جونيورز»، فيما تحظى بقية الأندية بمشجع واحد في التشكيلة الوزارية، مع الإشارة إلى زوج وزيرة العدل مارسيلا لوساردو الذي كان رئيساً سابقاً لمحكمة الانضباط التابعة للاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم.
العام 1924، وزير الحرب أغوسطين بيدرو أغوستو، المعروف بتشجيعه لـ«بوكا جونيورز»، يشارك إلى جوار رئيس الجمهورية مارسيلو دي ألفيار في افتتاح ملعب النادي الجديد. بعد ست سنوات، يشارك أغوستو في انقلاب، ثم يُنتخب رئيساً، في ما عُرف بحقبة «الاحتيال الوطني». يحظى «البوكا» (على حدّ سواء مع ريفر بليت) باهتمام أكبر من الدولة خلال السنوات التالية. بعد انتهاء ولايته، يصبح زوج إبنته، إدواردو سانشيز تيريرو، رئيساً للنادي. رامون كاستيو، رئيس آخر في تلك الحقبة، يُعيّن إبنه رئيساً لاتحاد كرة القدم الأرجنتيني أثناء فترة رئاسته. لكن انقلاب عام 1943 أنهي هيمنة الطبقة المحافظة المتحالفة مع المستعمر البريطاني والولايات المتحدة. لقد أدرك الزعيم التاريخي للأرجنتين، خوان دومينغو بيرون، أهمية نوادي كرة القدم (بوكا جونيورز بشكل خاص)، إلى جانب النقابات العمالية، في ذلك الوقت، وبنى من خلالها شعبيته ومجده السياسي، حيث حكم الأرجنتين عشر سنوات على فترتين، لدرجة تحوّلت فيها أفكاره وأساليبه إلى عقيدة سياسية تُعرف بـ«البيرونيّة».
بخلاف كلّ التوجهات الحزبية التي سُمّيت بأسماء ثوار وزعماء ورؤساء سابقين من القرن العشرين في أمريكا الجنوبية والوسطى، مثل «الساندستية» النيكاراغوية و«الجيتوليوية» البرازيلية و«الفيغارسية» الكوستاريكية وصولاً إلى «التشافيزية» الفنزويلية، أصبحت «البيرونية» أشبه بـ«خيمة كبيرة» (Big Tent) لا تنحصر في تدرّجات اتجاه سياسي واحد، بل تشمل (باعتبارها «أيديولوجية زائفة تعتمد على بلاغة الخطابة والديماغوجية الصاخبة» وفق تعبير الصحافي الماركسي الأميركي بيرت كوكرن) تنوعات سياسية من اليمين الكاثوليكي المتطرف إلى اليسار الشيوعي، لدرجة حدوث مجزرة إيزيزا عام 1973 بين جناحَي البيرونية. تَهجّم الجناح اليميني من البيرونية على حشد من الجناح اليساري، بلغ عديده حوالي 3 ملايين ونصف مليون شخص تجمّعوا في مطار بيونيس أيريس لاستقبال بيرون العائد بعد 18 عاماً من المنفى، بسبب الانقلابات العسكرية في الخمسينيات والستينيات. بلغ الأمر حدّ أن بيرون ادّعى ذات مرة أن كلّ الأرجنتينيين «بيرونيين». هذه النصيحة سيأخذها ماكري على محمل الجدّ (اعتبر بروفيسور الحكومة في جامعة هارفارد الأميركية، ستيفن ليفيتسكي، أن ماكري «يستخدم الرموز والممارسات البيرونية بذكاء»). فوزه برئاسة «البوكا»، أحد أبرز المؤسسات «البيرونية»، مَكّنه من الصعود إلى رئاسة بلد سيطر فيه حزب «العدالة» البيروني، بكلّ أجنحته، على سدّة الحكم منذ سقوط الطغمة العسكرية وعودة الديمقراطية في ثمانينيات القرن الماضي. وعندما هبطت شعبيته، استعان بالسيناتور البيروني ميغيل أنخيل بيشيتو كنائب له في سباق الرئاسة الأخير.
باهتمام بيرون نفسه، كانت زوجته إيفا، من خلال مؤسستها الاجتماعية، ترعى بطولات كرة قدم ورياضات أخرى، استهدفت ما يزيد عن 200 ألف طفل. ليست اللعبة حكراً على الرجال، هذا ما تحاول قوله نساء الأرجنتين لكسر الصورة النمطية الذكورية التي صبغت اللعبة (بعيداً عن تداول صور المشجعات في وسائل الإعلام العربية). في السنوات الأخيرة، عانى المنتخب النسائي من الإهمال من قِبَل «اتحاد كرة القدم» الذي يرأسه كلاوديو تابيا (ونائبه أنجليسي) الموالي لماكري. تمييز جنسي مؤسّسي سيجعل حقوق لاعبات كرة القدم في صميم الحركة الاحتجاجية النسوية الأرجنتينية، إلى جوار العنف المنزلي وقتل النساء وظروف العمل غير المتكافئة والحقوق الإنجابية. ويأتي تفضيل استخدام مصطلح «كرة القدم النسوية»، بدلاً من «كرة القدم النسائية»، للإشارة إلى رغبتهن في تغيير التفكير في البلاد «بدلاً من مجرد إضافة النساء إلى الهياكل الرياضية الفاسدة الحالية التي تحقق ربحاً من تصدير الرياضيين الذين ينتمي أغلبهم إلى الطبقة العاملة» وفق صحيفة «الغارديان» البريطانية، التي رأت «أنهن يُرِدن مؤسسات أكثر مساواة». خلال مشاركة المنتخب (الرجالي) في كأس العالم في روسيا العام الماضي، وزع الاتحاد دليلاً سياحياً على اللاعبين والمدربين والصحفيين، يتضمن باباً يتكلم عن إغراء الفتيات الروسيات وكيفية إقامة علاقات معهن، أثار سخطاً واسعاً، محلياً وعالمياً، قبل أن يقوم الاتحاد بسحب الأدِلّة وحذف الباب المثير للجدل.
«مصارع الثيران» كان دائماً سبب الخلافات داخل أروقة النادي. أشار إليه ماكري في مرات عديدة باعتباره «مرتزقاً» و«محبّاً للمال». تعود الخلافات بينهما إلى مطلع الألفية الجديدة، عندما عرقل ماكري انتقال ريكيلمي إلى أوروبا. يومها، أحتفل صاحب الرقم 10 بهدفه في «السوبركلاسيكو» في شباك الغريم التقليدي «ريفير بليت» سنة 2001، ضدّ الرئيس ماكري الجالس في المنصة، من خلال وضع يديه خلف أذنيه على طريقة شخصية الفأر «توبو جيجيو» الكارتونية الشهيرة. حركةٌ سيقتبسها (بشكل معاكس) ماكري هذا العام خلال جولات حملته الانتخابية، وهو يستمع إلى هتافات مناصريه بشعار الحزب المعتاد: «نعم، يمكنك ذلك». من المعتاد أن يستخدم ماكري حركات ومقارنات رياضية لشرح المواقف السياسية أو الاقتصادية. في مارس/ آذار الماضي، خلال جلسة عشاء مع الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا، قال معلّلاً مساره السياسي البطيء: «هنا لا يوجد ريكيلمي كي ينقذك»، في إشارة إلى عودة ريكيلمي إلى «البوكا» سنة 2007، وتحقيقه بطولة «الكوبا ليبرتادوريس» في العام نفسه.
انتهت «الحقبة الماكرية»، وبدأ عهد جديد بعد زوال أنجليسي، الذي كان سبباً في عدم استمرار ريكيلمي بعد عام 2014 وانتقاله إلى «أرجنتينوس جونيورز» واعتزاله هناك، وصار الكلام يدور اليوم عن عودة ريكيلمي، بسنّ الـ41 عاماً، من الاعتزال (على طريقة خوان سبستيان فيرون مع إستوديانتس) للعب موسم آخر وأخير مع ناديه، وتحقيق رغبته في الاعتزال بالقميص الأزرق والأصفر، لأن «بوكا هي ريكيلمي، وريكيلمي هو البوكا» كما تهتف جماهير النادي دائماً. لكن موقع «لا بوليتكا أونلاين» أوضح كلّ شيء قبل عشرة أيام من يوم الانتخابات: بينما جاء إعلان ريكيلمي (انضمامه إلى أمور أميل) بمثابة قنبلة للمشروع «الماكري»، عمّت البهجة الأوساط «البيرونية». قنبلةٌ دمّرت بالفعل إمكانية أن يكون النادي «مأوى» لماكري ورئيس وزرائه ماركوس بينا «حيث يمكنهم إعادة بناء مشروعهم السياسي». هكذا، تحصّل ماكري على ضربتين على رأسه، أو بعبارة أخرى: أُخرج من الباب وأُغلقت النافذة من خلفه كي لا يعود منها.