يرى مراقبون أن الإعلان عن «حوار استراتيجي» محكوم أساساً باعتبارات سياسية دعائية
يخالف ديدييه بيون، نائب مدير «معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية»، هذا التحليل تماماً. هو يجزم بأن فرنسا أصبحت أكثر انحيازاً إلى الموقف الإسرائيلي في بيئة جيواستراتيجية إقليمية شديدة الاضطراب. ووفقاً لبيون، فإن ماكرون حاول بدايةً التأثير على الأميركيين من خلال إظهار صداقته لترامب بطريقة استعراضية، على الرغم من أن الأخير لا يفهم سوى لغة القوة الفجّة، لكنه سرعان ما تبنّى المطالب الأميركية في ما يتصل بالملف النووي الإيراني. في آذار 2018، عشية زيارته لإيران، قال جان إيف لودريان، وزير الخارجية، في مقابلة مع الصحافة الفرنسية، إنه ذاهب إلى طهران ليطالب الإيرانيين بوقف تطوير صواريخهم الباليستية والامتناع عن التدخل في الأزمات الإقليمية. في اليوم التالي، عنونت صحيفة إيرانية محسوبة على المحافظين أن دمية الأميركيين ستزور إيران. لقد فشلت مهمة لودريان قبل بدايتها. إذا تجاوزنا التركيز الشكلي على أهمية الحوار، فإن الفرنسيين يتحدثون بالنيابة عن الأميركيين.
بعد اغتيال قاسم سليماني، اتصل ماكرون بترامب ليبلغه تضامنه الكامل مع الولايات المتحدة، وهو ما يعني أن فرنسا تقف في معسكر الأخيرة على المستوى الاستراتيجي، برأي بيون، الذي يعرب عن اقتناعه بأن السياسة الفرنسية، بمعزل عن خطابها السيادي الذي يؤكد عدم انحيازها إلى أيّ طرف، قد شهدت تحولات مهمة على مستويات عدة. في 16 تموز 2017، وبحضور بنيامين نتنياهو، أعلن ماكرون أن العداء للصهيونية هو الشكل المستجدّ للعداء للسامية. وفي هذا الإطار، يعتبر بيون أن «الخلط المتعمّد بين العداء للصهيونية والعداء للسامية فضيحة على المستوى الفكري، وخطر على المستوى السياسي، لأن المقصود هو منع أيّ نقد لإسرائيل». ويأتي تزامن الإعلان عن حوار استراتيجي فرنسي - إسرائيلي مع الازدراء الكبير الذي أظهره ماكرون تجاه نظيره الفلسطيني، محمود عباس، الذي اضطر إلى الانتظار أربع ساعات قبل أن يقابله، ليشكّل ذلك في نظر بيون مؤشراً على خيار التطابق مع التوجّهات الإسرائيلية. لا يمكن تفسير هذا الخيار بدوافع أيديولوجية، لأن «ماكرون براغماتي، بل وحتى انتهازي، ليست لديه قناعات على رغم إعجابه بإسرائيل وإنجازاتها في مجالات العلوم والتكنولوجيا. أعتقد، إضافة إلى ذلك أن الدولة العميقة في فرنسا تلعب دوراً مهماً. ففي وزارة الخارجية، يمارس تيار المحافظين الجدد المؤيد لإسرائيل ضغوطاً فعّالة على الرئاسة»، يختم بيون.