حتى هذه اللحظة، وبحسب الأرقام الرسمية الصينية، يكون فيروس كورونا الجديد قد قضى على أكثر من 720 شخصاً، وأصاب أكثر من 34,394، فيما الغالبية الساحقة من هؤلاء هم مواطنون صينيون، مع تسجيل إصابة رضيع بالمرض لم يتجاوز عمره ساعات قليلة. وفي حين تحاول البشرية التقاط أنفاسها من خلف الأقنعة، لا يبدو أن هناك علاجاً يلوح في الأفق. وحدها أعداد الضحايا إلى ازدياد.
البشر معتادون على ارتداء الأقنعة. أحياناً تكون خفية، مهمّتها أن تحمي مرتديها من المجتمع الذي يعيشون فيه. وأحياناً أخرى، تكون فعلية، مهمتها أن تحمي مرتديها من انتقال مرضٍ ما إليهم. أكثر الأقنعة شهرةً في تاريخ البشرية، كان «قناع المنقار»، وكان مظهره مخيفاً لدرجة أن الأصحّاء عند رؤيتهم له استشعروا قرب نهايتهم. ارتداه الأطباء والممرضون عام 1656 يوم انتشر الطاعون بين روما ونابولي وقضى على نصف مليون إنسان. اليوم، يمكن القول إن قناع «N95» سيكون الأكثر شهرة في القرن الـ21، وهو الذي تنصح «منظمة الصحة العالمية» بارتدائه، كونه يقلّل من التعرّض للجزيئات الصغيرة المنتشرة في الهواء، ويقوم بفلترة الهواء المتنشّق من الجزيئات المحمولة بنسبة 95 %، ويلتصق على الوجه بشكل كامل، ويمنع التسرّب حتى الحدود الدنيا. إلا أن رئيس قسم أمراض العدوى المخاطية والمناعة في «إمبريال كوليدج - لندن»، الطبيب روبن شاتوك، يعرب عن خوفه من اعتماد الأفراد على تلك الأقنعة لوحدها، إذ يقول في مقابلة مع موقع «CNN»: «ليس لدينا دليل قوي على أن الأقنعة تساعد فعلاً من حيث الحماية… لكنها قد تقلّل من انتقال العدوى لمجرّد أن القناع يمنع الشخص من لمس وجهه في كثير من الأحيان»، وعند سؤاله عن قرب إيجاد علاج للفيروس، قال: « العلاج قد يصبح متوفراً بحلول عام 2021».
معرفة العلماء بمصدر الفيروس تُعدّ أفضل طريقة لصنع العلاج


اليوم، ولتقديم فكرة تقريبية عن كمية الطلب على هذا القناع، يقول موقع «Taobao» الصيني للشراء عبر الإنترنت إنه قام خلال يومين ببيع أكثر من 80 مليون قناع، فيما المصانع الصينية تنتج ما يقارب الـ600 ألف قناع «N 95» في اليوم الواحد بحسب وزارة الصناعة الصينية. أما بالنسبة إلى الأقنعة التي يستعملها الجرّاحون في غرف العمليات، فتنتج الصين منها ما يقارب الـ20 مليوناً، إلا أنها لا تحمي مرتديها بشكل كافٍ. واستوردت السلطات الصينية، ما بين 24 كانون الأول والثاني من شباط، 220 مليون قناع للوجه. والجدير ذكره، هنا، أن الأقنعة على شاكلة «N 95» لا يمكن ارتداؤها سوى لثماني ساعات بشكلٍ متواصل، ويجب استبدالها بعد ذلك، هذا فيما تشهد أسعار تلك المنتجات ارتفاعاً جنونياً وصل في بعض الأماكن إلى ثلاثة أضعاف.

الطبيب لي وينليانغ
هو طبيب عيون في أحد مستشفيات مدينة ووهان. كان أول من أطلق جرس الإنذار أواخر كانون الثاني الماضي، بعد أن وصلت إلى المستشفى الذي يعمل فيه 7 إصابات بمرض غريب، اعتبره بدايةً عودة لمرض السارس، إلا أنه عاد وأعلن أنه شبيه به ولكنه ليس هو. توفي الطبيب وينليانغ منذ يومين عن 34 عاماً، بعد التقاطه للفيروس، وهو يعدّ اليوم بطلاً قومياً.

رحلة البحث عن ترياق
الوسيلة الوحيدة التي تعتمدها الدول لـ«محاولة» علاج فيروس كورونا الجديد، هي دمج الأدوية المضادة للفيروسات (Antivirals) مع أدوية مرض نقص المناعة (HIV)، فيما يجب التذكير بأن المضادات الحيوية، مثل «البنسلين»، لا تنفع في هذه الحالة، إذ هي تحارب البكتيريا وليس الفيروسات. بحسب ورقة بحثية أعدّها فريق من الخبراء والعلماء الصينيين، رجّح هؤلاء أن يكون أصل فيروس كورونا الجديد الخفاش، ولكنهم قالوا أيضاً إن حيواناً آخر هو الذي نقل الفيروس من الخفاش إلى الإنسان. الجديد اليوم أن الباحثين توصلوا إلى أن ذلك الحيوان قد يكون على الأرجح الـ«بنغول»، وهو نوع من الحيوانات الآكلة للنمل، والذي يحبّذ لحمَه بعضُ الشعوب الآسيوية لما يعتبرونه فوائد غذائية وعلاجية يتمتّع بها. معرفة العلماء بمصدر الفيروس تُعدّ أفضل طريقة لصنع العلاج، إذ تسمح تلك بتحديد الحمض النووي الكامل وبدء التجارب المخبرية في محاولة للقضاء على الفيروس وصولاً إلى صنع لقاح له.
في المحصلة، يعيش سكان الكوكب حالياً حالة من الارتباك والخوف، فيما الخطر الاقتصادي الكبير يلوح في الأفق، وتبعاته ستكون على كلّ الدول، إذ أن كلفة إيجاد علاج لفيروس كورونا الجديد، على رغم ضخامتها، لا تُعدّ شيئاً أمام كلفة الوقاية ومنع انتشار الوباء الذي تقوم به أولاً جمهورية الصين الشعبية، والدول الأخرى ثانياً. نتحدث هنا عن دولة يبلغ تعداد سكانها 1.4 مليار نسمة، عزلت مدناً بأكملها، وتقوم بتطهير الشوارع والأزقة بكلّ الوسائل المتوفرة، فيما تكون مهام بعض الدول الأخرى بسيطة مثل الحجر الصحي على سفينة هنا أو طائرة مدنية هناك. اليوم، تعزل الصين مدنها لتحمي بقية البشر، فيما العالم كله يشاهد عن بُعد!