اختتمت إيران إحياءها «عشرة الفجر»، كما كلّ عام، وهي الأيام من أول شباط تاريخ عودة مؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني إلى البلاد حتى انتصار الثورة. وأمس، خرج مئات الآلاف في مختلف المحافظات في يوم انتصار الثورة على نظام الشاه عام 1979. وكما في كلّ سنة، تحفل هذه الأيام بأنشطة تؤكد مركزية الثورة وثقافتها من حياة الدولة راهناً ومستقبلاً، وهي تتنوّع بين مهرجانات سينمائية وإعلانات عن إنجازات علمية وعسكرية، عادة ما يريد النظام من ورائها إثبات نجاح تجربة الثورة وأثرها في نهضة البلاد وأهمية ما أنجز أو التمسّك بهذا المسار.
حضرت صور سليماني بكثرة بجانب صور القائد في «الحشد العراقي» أبو مهدي المهندس (أ ف ب )

لكن في إيران، وفي أكثر من مناسبة، أبرزها ذكرى انتصار الثورة، يبقى الحضور الجماهيري أهمّ ورقة يراهن عليها النظام، ويحرص على إبرازها بما يشبه تجديد الاستفتاء على شعبية الثورة ونظامها على الدوام على رغم الثمن الباهظ للحصار والعقوبات التي يشعر بتأثيرها الشعب، من جهة، والتأكيد أنها ثورة متجددة وحيّة باستمرار، من جهة أخرى. وفي حين يتكرّر الأمر على مدار العقود الأربعة الماضية، فإن المسيرات الشعبية التي خرجت أمس تكتسب أهمية مضاعفة في توقيت اشتداد المواجهة مع الخارج حيث تواصل الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب حملة «الضغوط القصوى»، التي لا تخفي واشنطن أن جوهرها يقوم على استهداف هذه الشعبية لقلبها ضدّ النظام. من هنا، بدت الرسائل مكثّفة باتجاه الولايات المتحدة، والغرب عموماً، وتصدّرها الغضب من عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني، الذي حضرت صوره بكثرة، إلى جانب صور القائد في «الحشد العراقي» أبو مهدي المهندس، في ما صادف ذكرى الأربعين لاغتيالهما ورفاقهما، كما حمل المشاركون لافتات كتب عليها «سنقاوم حتى النهاية»، إلى جانب شعارات «الموت لأميركا» و«الموت لإسرائيل». وبموازاة الرسائل الشعبية، توالت المواقف الرسمية من المسؤولين ومختلف القوى والتيارات، والتي حرصت جميعها على إبراز «وحدة البلاد» بوجه الحملة الأميركية التي دشّنت 40 سنة مفترضة أخرى من عمر الثورة، وهي في ذكراها الـ41. وإذ دخلت الثورة أمس عقدها الخامس والصدام مع الغرب لا يزال على حاله منذ الأيام الأولى لانتصار الثورة، شددت المواقف الرسمية على «الصمود» بوجه الصغوط الخارجية.
شدد روحاني على ضرورة المشاركة في الانتخابات البرلمانية في 21 الجاري


وتصدّر الرئيس الإيراني، حسن روحاني، المواقف، وقال في كلمة أمام الحشود المحتفلة بالمناسبة في ميدان آزادي وسط العاصمة طهران إن «القبول بانتصار أمة كبيرة وبأن قوة عظمى طُردت من هذه الأرض أمر لا يُحتمل بالنسبة للولايات المتحدة». وتابع: «إنه لأمر طبيعي بالنسبة إليهم أن يحلموا على مدى 41 عاماً بالعودة إلى هذه الأرض، لأنهم يعرفون أننا إحدى الدول الأقوى» في المنطقة، مضيفاً أن «الأميركيين لم يفهموا عظمة الشعب الإيراني. الولايات المتحدة تعتقد أنها تواجه 41 عاماً من الحضارة. كلا، الأميركيون يواجهون حضارة إيرانية عمرها آلاف السنوات». وإذ هاجم روحاني الولايات المتحدة على خلفية اغتيال سليماني و«صفقة القرن»، شدد على ضرورة المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي ستجري في 21 الجاري، وتوجّه إلى «الأعداء» بالقول: «لن نستسلم أمامكم وسنرغمكم يوماً على الاستسلام أمام الشعب الإيراني والرضوخ أمامه ولاشك أن الانتصار سيكون حليفنا».
بدوره، علّق وزير الخارجية محمد جواد ظريف في تغريدة على «تويتر» بالقول: «لقد نزل حشد عظيم من أبناء الشعب الإيراني إلى الشوارع في مسيرات الذكرى الـ 41 لانتصار ثورتهم وتخليد ذكرى أبطالهم الشهداء»، وزاد: «الرسالة إلى ترامب وأذنابه؛ حان الوقت لتتخلى عن أوهامك. فعلى الرغم من كل التحديات والخلافات، فإن جميع الإيرانيين البالغ عددهم 82 مليون نسمة متحدون للدفاع عن كرامتهم وبلدهم».
من جهته، وفي كلمة أمام حشود محتفلة بالذكرى في مدينة بوشهر، قال المستشار العسكري للمرشد علي خامنئي، اللواء في الحرس الثوري يحيى رحيم صفوي، إن مشروع «صفقة القرن» سيفشل مثلما فشل مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، وأضاف: «صحوة ونهضة شعوب العراق وسوريا وأفغانستان ستتصاعد ضد صفقة القرن المخزية... إن دماء الشهداء المدافعين عن المقدسات والقائد سليماني ستثمر تصعيد المواجهة ضد أميركا والصهاينة من أفغانستان إلى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين المحتلة».