لم يفُز جو بايدن على بيرني ساندرز في انتخابات «الثلاثاء الكبير» التمهيدية فحسب، بل ألحق أيضاً الهزيمة بالملياردير مايكل بلومبرغ، الذي كان قد أنفق ملايين الدولارات على الإعلانات الانتخابية، قبل دخوله المعترك يوم الثلاثاء، وخروجه منه مباشرة بعد خسارته، ليعلن دعمه نائب الرئيس السابق. فوزٌ استثنائي لبايدن، لم يكن ممكناً لولا تكتّل المرشّحين المنسحبين خلفه، في إشارة واضحة على استبسال «المؤسسة الديموقراطية» في سبيل إبعاد ساندرز من السباق. تَقدّم بايدن في كلّ ولايات الجنوب: أركنساس، ألاباما، تينيسي، كارولاينا الشمالية، فيرجينيا، أوكلاهوما. حتى إنه خرج منتصراً في مينيسوتا، الولاية الوحيدة في الغرب الأوسط التي تشهد منافسة. كذلك، حقّق فوزاً بسيطاً في تكساس وماساتشوستس ــــ المعقل الأساسي لإليزابيث وارن حيث حلّت ثالثةً ــــ، وآخر مماثلاً في ماين. في المقابل، حقّق ساندرز فوزاً في ولايته فيرمونت وفي يوتاه، إضافة إلى كولورادو. وكما كان متوقّعاً، أظهر أداءً أفضل في كاليفورنيا، حيث أظهرت النتائج غير النهائية فوزه وإن بشكل منقوص، إذ قد لا ينال كامل عدد المندوبين هناك، والبالغ 415.في خلفية انتصار بايدن، يمكن إيراد مجموعة من الأسباب:
أولاً: بدا أن الدعم الذي يحظى به من الناخبين السود ثابت لا يتزعزع. ومع أن هؤلاء منحوا ساندرز نتيجة جيدة خارج الجنوب، إلا أن المرشح «اليساري» لم يفلح في تحسين أدائه إزاءهم عمّا كان عليه عام 2016. والجدير ذكره، هنا، أن تأثير الناخبين السود يتخطّى ما تُظهره الأعداد؛ فقد عُدّ، مثلاً، الفوز الذي حقّقه نائب الرئيس السابق في كارولاينا الجنوبية الدافع الأساسي وراء إعلان قادة الحزب الديموقراطي في كلّ أنحاء البلاد دعمهم له.
ثانياً: تلقّى بايدن مساعدة جُزئية ساهمت في إعادة الترتيب الدراماتيكي لحملته بعد انتخابات كارولاينا الجنوبية، وذلك عبر انسحاب المرشّحَين المعتدلَين، آيمي كلوبوشار وبيت بوتيدجيدج، من وجهه. في المقابل، ظلّت أصوات «اليسار» منقسمة نتيجة بقاء إليزابيث وارن في السباق، وربما كانت هذه الأخيرة سبباً في عدم حصول ساندرز على المزيد من الأصوات في كلّ من كاليفورنيا وتكساس، على ما يشير إليه العديد من المراقبين.
ثالثاً: واجه ساندرز مشكلة كان قد عانى منها بقوة في عام 2016، وهي المقاومة الواسعة من قِبَل الناخبين التمهيديين الذي يصفون أنفسهم بـ«الديموقراطيين» أو «الحزبيين»، أي الذين يعارضون المستقلّين. وعلى رغم أنه ظهر، في بداية السباق، أنه تخطّى تلك المشكلة، إلا أنها عادت للظهور في كارولاينا الجنوبية يوم السبت، عندما حصل بايدن على 54% من أصوات هؤلاء، أي أكثر بثلاث مرات من حصة ساندرز. ويرجع البعض خسارة ساندرز في أوساط بين هذه الفئة إلى هجماته القوية على «المؤسسة الديموقراطية» خلال التجمّعات الانتخابية والمناسبات الإعلامية المختلفة.
رابعاً: فشل ساندرز في اختبار أكثر حيوية لحملته، وهو توسيع تحالفه. إذ لم يخسر سيناتور فيرمونت أصوات المجموعات التي طالما شكّكت فيه، أي الناخبين السود وكبار السن و«الديموقراطيين الحزبيين» فقط، بل إنه خسر أيضاً لدى الناخبين البيض، وخصوصاً من أصحاب التحصيل الجامعي. وعليه، يمكن أن يلعب بايدن على وتر إحداث خرق بين هؤلاء في ولايات الغرب الأوسط التي ستشهد الاستحقاقات المقبلة، حيث يشكّلون حصّة أكبر من أيّ مكان آخر. وقد أظهر استطلاع للرأي في ولاية ميشيغن، مثلاً، أن نائب الرئيس السابق يتخطّى ساندرز، بعدما كان هذا الأخير قد فاز فيها عام 2016. من هنا، بات على ساندرز أن يركّز على معارضته لاتفاقات التجارة الحرّة التي يدعمها منافسه، بهدف الفوز بهذه الولاية. لكن جهوده هناك، وفي ولايات أخرى تُعرف بـ«حزام الصدأ»، تظلّ محفوفة بالمخاطر على خلفية أجندته المرتبطة بـ«الاتفاق الأخضر الجديد» حول التغيّر المناخي، والذي قد يؤثر على صناعة السيارات في تلك الولايات.
عموماً، لم تحسم النتائج فوز بايدن أو هزيمة ساندرز. على أن المنافسة، التي كانت بين حشد من المرشّحين، انحصرت أخيراً بين شخصين، سيتوجّهان في الأسابيع المقبلة إلى ولايات أساسية ومصيرية، من بينها فلوريدا وأريزونا وإلينوي وأوهايو وميسوري وميشيغن.