الأولوية الفعلية للإدارة الأميركية الحالية هي المواجهة مع إيران ومحور المقاومة
ربما ما يفسر صراحة مالكازيان وإقراره بـ«الفشل» الأميركي، وهو في الحقيقة هزيمة، هو قربه من المؤسسة العسكرية التي تُغلّب الاعتبارات الجيوسياسية على غيرها عند تحديدها للأولويات، والتي عَبّرت عن رؤيتها للاستراتيجية العامة الواجب اعتمادها من قِبَل الولايات المتحدة في وثيقتَي الأمن القومي والدفاع الوطني الصادرتين في بداية 2018. أكدت الوثيقتان أن الصين وروسيا هما التهديد الأبرز للريادة الأميركية، وأن الموارد والطاقات يجب أن تُعبَّأ أساساً للصراع المتعدّد الأوجه معهما. وعلى الرغم من أن الوثيقتين صدرتا في ظلّ الإدارة الحالية، ويُفترض أن تعكسا وجهة نظرها، إلا أن السياسة الفعلية التي تتّبعها الأخيرة، خاصة في الملف الإيراني، تُظهر أن التيار الأيديولوجي - العقائدي في داخلها لديه أجندة مختلفة، يحتلّ فيها التركيز على الشرق الوسط - بدلاً من آسيا - الصدارة، ويمثل الدفاع عن التفوّق الإسرائيلي الأولوية. ووفقاً لمايكل كلير، أحد أبرز الخبراء في الاستراتيجية العسكرية والنفطية الأميركية انطلاقاً من منظور معادٍ للإمبريالية، وصاحب العديد من المؤلفات المرجعية عنها وآخرها «السباق على ما تبقّى من موارد»، فإن الانقسام يتعمّق بين مَن يسمّيهم «الأيديولوجيين» المتحلّقين حول الثنائي بينس - بومبيو، و«الجيوسياسيين» الذين يضمّون كبار موظفي «البنتاغون» وأجهزة الاستخبارات المختلفة ووزارة الخزانة الأميركية. يقول كلير، في مقال في عدد شباط من شهرية «لوموند ديبلوماتيك»، إن «الجيوسياسيين يعتقدون أن الولايات المتحدة غرقت في صراعات الشرق الأوسط التي لا أهمية قصوى لها. القوى الدولية المعادية، الصين وروسيا، استفادت من ضعف هذه الرؤية الاستراتيجية لتوسيع نفوذها الدبلوماسي والعسكري. لقد استطاعت بكين أن تُعزّز القدرات التكنولوجية لجيشها، وأن تُقوّض أسس التفوق الأميركي. اللافت هو أن شخصيات بارزة في عالم الاقتصاد والأعمال تشاطر الجيوسياسيين مخاوفهم، وبعضها لديه صلات وثيقة بالبيت الأبيض». يشير كلير إلى أن فريق الأيديولوجيين أكثر تأثيراً على الرئيس اليوم، لكنه يختم مقاله بالتأكيد أنه «آجلا أم عاجلاً، ستَرْجح كفة الميزان لمصلحة استراتيجية متمحورة حول آسيا. فنُخب السياسة الخارجية الأميركية، نتيجة خوفها من نموّ القوة الصينية، لن تقبل بأن تحول نزاعات الشرق الأوسط دون قيام أجهزة الدولة الأميركية العسكرية والأمنية والدبلوماسية بمهمتها الرئيسة: ضمان تفوّق الولايات المتحدة على خصومها الجيوسياسيين».
الواضح حتى الآن هو أن الأولوية الفعلية للإدارة الأميركية الحالية، على رغم وجود الكتلة الوازنة المشار إليها والتي لا توافق على تلك الأولوية، هي المواجهة مع إيران ومحور المقاومة، والتي سيجني خصوم الولايات المتحدة الاستراتيجيون مكاسب معتبرة منها. يعني هذا الأمر أن الدرس الأهمّ لحرب أفغانستان، ولـ«الحرب على الإرهاب»، من منظور استراتيجي، لم يُستخلَص من قِبَل مَن هم في موقع القرار.