سعّرت السعودية «حرب النفط» التي انطلقت عقب رفض روسيا تقنيناً إضافياً في الإنتاج يقلّص حصّتها في سوق مضطربة أصلاً على خلفية تفشّي وباء «كورونا». بتصعيد المواجهة مع الروس ورفض مقترح موسكو إجراء محادثات جديدة لمّحت إليها الأخيرة، تكون الرياض قد خطت خطوة إضافية على طريق معركة حصص السوق، التي عصفت، إلى جانب فزعة «كوفيد-19»، بأسعار الخام العالمية. خطوةٌ تعتزم المملكة إزاءها رفع طاقتها الإنتاجية القصوى من 12 إلى 13 مليون برميل يومياً بعدما خفضت أسعار النفط المطروح للبيع إلى مستويات قياسية في محاولة للاستحواذ على حصة كبيرة في السوق، في موازاة تأكيد حليفتها الإمارات استعدادها لزيادة إمداداتها مِن 4 إلى 5 ملايين برميل، ما دفع إلى خسائر جديدة في البورصتين، فيما هوت أسعار النفط مجدداً. بهذا، تكون الدولتان الخليجيتان قد تبنّتا موقفاً موحداً إزاء المواجهة مع الروس، عبر قرارهما ضخ كمّيات إضافية توازي 3.6% من الإمدادات العالمية، ستَدخُلُ السوق في وقت يُتوقَّع فيه أن ينكمش الطلب العالمي على الوقود للمرة الأولى منذ 10 سنوات.خطوة السعودية تأجيج حرب الأسعار عبر رفع طاقتها الإنتاجية إلى 13 مليون برميل، سبقها بيوم واحد إعلانها زيادة إنتاجها من مستوى 9.8 ملايين برميل حالياً، إلى 12.3 مليون برميل يومياً في نيسان/ أبريل (بما يزيد 300 ألف برميل يومياً فوق طاقتها الإنتاجية القصوى)، ما أدّى إلى هبوط سعر خام «تكساس» بنسبة 1.7% ليبلغ 33 دولاراً، بينما تراجع خام «برنت» بالنسبة ذاتها إلى 36 دولاراً. وفي حين أنّ زيادة الطاقة الإنتاجية تتطلّب في العادة سنوات واستثمارات بمليارات الدولارات، قال رئيس «أرامكو»، أمين الناصر، إن الشركة «تعمل بكامل إمكانياتها على سرعة تنفيذ هذا التوجه»، من دون أن يحدّد جدولاً زمنياً لذلك. يجيء ذلك بعدما ناقش الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، «أسواق الطاقة العالمية وموضوعات أخرى»، مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في اليوم ذاته الذي افتتحت فيه الأسواق على انهيار قياسي في أسعار النفط بنسبة 25%، وأطلق عمليات بيع بدافع الهلع في سوق الأسهم الأميركية وغيرها وسط أضرار واقعة عليها بالفعل من جراء تفشي «كورونا». وإذ اكتفى البيت الأبيض ببيان مقتضب عن تلك المحادثة، فإن الخطوات التي تبعتها دلّت على عزم المملكة على مواصلة حرب الأسعار، وخصوصاً مع رفضها عقد محادثات جديدة مع موسكو.
في ضوء ذلك، أكد وزير الطاقة، ألكسندر نوفاك، أن بلاده تجري اتصالات هاتفية عديدة مع «أوبك» وغير الأعضاء، لكن أياً من الشركاء لم يوافق على مقترح روسيا للإبقاء على تخفيضات إنتاج النفط القائمة دون تغيير (2.1 مليون برميل يومياً). الإمارات، من جهتها، والتي دخلت على خط المواجهة، يوم أمس، معلنة استعدادها لزيادة إمداداتها من النفط بنحو مليون برميل يومياً في نيسان/ أبريل، دعا وزير طاقتها، سهيل المزروعي، إلى «اتفاق جديد» بين دول «أوبك» وروسيا «للمحافظة على استقرار السوق».
ويرى محللون أن السعودية لا تستطيع الصمود على هذه الحالة لوقت طويل، فهي تحتاج، بحسب «صندوق النقد الدولي»، إلى 80 دولاراً للبرميل لضبط موازنة 2020، التي يبلغ العجز المُقدَّر فيها 50 مليار دولار، فيما توقّعت مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس»، من جهتها، أن تزداد نسبة العجز المتوقع في الموازنة السعودية للعام الحالي في الناتج المحلي، من 6% حالياً إلى أكثر من 15%. وللحدّ من تداعيات حرب الأسعار، طلبت الرياض من الإدارات الحكومية تقديم مقترحات لخفض موازناتها بين 20% و30% للعام الجاري، في خطوات تقشف جديدة لمواجهة الانخفاض الحاد في أسعار النفط، على ما أفادت به مصادر تحدثت إلى «رويترز»، وأشارت إلى أن هذا الطلب أُرسل قبل أكثر من أسبوع بسبب المخاوف في شأن تأثير فيروس «كورونا» على أسواق الخام، ونظراً إلى توقعها محادثات صعبة مع الروس لتعميق تخفيض الإنتاج.