نجح فيروس كورونا في إحداث خرق في جدار الأزمة الحكومية في إسرائيل، مجبراً القوى السياسية على تبنّي خطاب موحّد إزاء مستقبل الحكومة، بعدما أخفقت في ذلك التحالفات الحزبية وثلاث عمليات انتخابية. فبعد التحولات في مواقف بعض أعضاء الكنيست، التي غيّرت معادلات القوى، وأنتجت توازنات جديدة، التقط رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، فرصة المخاوف التي زرعها كورونا، وعمد إلى تأجيج حالة الرعب التي تفاقمت في الكيان لحسابات سياسية هدفها إخضاع خصومه إلى قَبول تشكيل «حكومة وحدة» برئاسته. وبدلاً من توجيه رسائل طمأنة إلى الجمهور، رفع نتنياهو منسوب القلق إلى أعلى درجاته، وتحدث عن حدث «متدحرج لا أحد يعرفه»، واصفاً إياه بأنه «حدث عالمي وقومي لم تشهده إسرائيل منذ تأسيسها... إسرائيل تواجه تهديداً ليس لأيام أو أسابيع، وأتمنى ألا يكون لأشهر».يأتي ذلك بعد سلسلة تقارير تناولت التداعيات الاقتصادية الهائلة التي سيتركها انتشار كورونا، وأن الاقتصاد الإسرائيلي قد يدخل مرحلة الركود، إضافة إلى ما أعلنه نتنياهو عن أن انتشار الفيروس قد يحصد أعداداً كبيرة من الضحايا. وعلى وقع هذه المخاوف، دعا إلى تشكيل «حكومة طوارئ قومية فوراً»، لافتاً إلى أن إسرائيل سبق أن شكلت حكومة شبيهة قبل 53 عاماً، في إشارة إلى الحكومة التي تشكلت عشية حرب 1967. وتحت هذا العنوان توجه إلى رئيس كتلة «أزرق أبيض»، بيني غانتس، داعياً إياه إلى تشكيل حكومة مهمتها مواجهة كورونا. ورداً على ذلك، قال غانتس: «في ضوء الوضع (القائم)، نحن مستعدون لمناقشة تشكيل حكومة طوارئ قومية واسعة تشكل ممثلي كل أجزاء البيت»، معرباً عن استعداده لبذل كل الجهود من أجل دفع هذا المسار.
خلال المؤتمر الذي عقده نتنياهو لهذه الغاية، أسهب في الحديث عن «المخاطر التي ينطوي عليها انتشار كورونا»، متوقعاً بأن ينتشر في دول العالم كافة، ومضيفاً: «لا يوجد مكان واحد على وجه الأرض مُحصنٌ ضده». وتابع: «في هذه المرحلة، لا يوجد لقاح للفيروس، وتُشير التوقعات إلى أن تطوير لقاح سوف يستغرق وقتاً طويلاً». وبقدر من التفصيل لوتيرة انتشاره، رأى أنها غير متساوية بين الدول «لكنها تزداد بسرعة هائلة»، معلناً أنه في ضوء هذه التقديرات تم تعليق الدوام في جميع المدارس والجامعات، علماً بأن وزارة الصحة الإسرائيلية أعلنت مساء أمس أن حصيلة الإصابات بفيروس كورونا ارتفعت إلى 109 مع توقعات بارتفاع العدد خلال الأيام المقبلة، إضافة إلى ازدياد الأشخاص ممن يفرض عليهم الحجر الصحي.
وفرت الأزمة سلماً لتراجع قوى عن شعاراتها كما خلطت خططاً كثيرة


في المقابل، لم يكتفِ غانتس بمواقف عامة، بل تواصل مع الرئيس الإسرائيلي، رؤوبين ريفلين، وأبلغه أنه على استعداد للمساعدة في تشكيل حكومة طوارئ واسعة تعالج موضوع كورونا». بالتوازي، توجه ريفلين إلى نتنياهو بضرورة «فعل كل شيء من أجل التركيز على المهمات الماثلة أمامنا». كذلك، ذكرت مصادر في «أزرق أبيض» أن «تمدد كورونا سيصعِّب على غانتس نيل شرعية مواصلة المسارات السياسية التي خطط لها»، فيما نقلت صحيفة «هآرتس» عن أحد أعضاء التحالف أنه «وفق منطق الأمور، يبدو أنه لن يكون هناك مفرّ في النهاية من تشكيل حكومة طوارئ مشتركة... في حال فعلنا ذلك، سيكون هناك شروط واضحة جداً: سنطلب تجميداً تاماً لسلسلة الاقتراحات الخلافية».
مع ذلك، يبدو أن المستجد الذي وفر الأرضية لهذا المسار واستغله نتنياهو يعود إلى فشل محاولة غانتس توفير الغالبية لتسميته وتشكيل الحكومة برئاسته، وهو ما وضع الخيارات أمام سيناريوين مرجَّحين: تشكيل حكومة وحدة، أو الدفع نحو انتخابات رابعة. لكن المخاطر المستجدة مع انتشار كورونا فرضت نفسها على أولويات المشهد السياسي ووفرت سلماً للعديد من القوى للبحث عن حلول تتعارض مع شعاراتها وثوابتها. وقبل مؤتمر نتنياهو، أطلق وزير الأمن الأسبق أفيغدور ليبرمان مواقف شكلت مؤشراً على تغيير الاتجاه، إذ دعا خلال مقابلة تلفزيونية إلى «تشكيل حكومة طوارئ تتشكل من الليكود وأزرق أبيض، وتستند إلى 69 عضو كنيست... (على) جميع الأحزاب الأخرى ألا تطلب حقائب في المرحلة الأولى»، فيما نقل محلل الشؤون الحزبية عميت سيغل، أن حزب «إسرائيل بيتنا»، الذي يقوده ليبرمان، يؤيد حكومة الوحدة، وكذلك «العمل» يؤيد الدخول إليها.
في ضوء هذه المواقف، وعلى وقع الأخبار المتوالية لانتشار كورونا في فلسطين والعالم، تبلورت سيناريوات لآفاق المشهد الحكومي الإسرائيلي مغايرة كلياً لما كان يراهن ويخطط له نتنياهو وخصومه على حد سواء. إذ باتت تل أبيب أمام متغيرات متسارعة من خارج الحسابات والتقديرات، تُجمع الأطراف كافة على أن تداعياتها ستطاول الأمن القومي من بوابتي الصحة والاقتصاد على الأقل، وقد يكون لها دور أساسي في بلورة المشهد السياسي المقبل.