في لحظات تاريخية حاسمة، قد يسقط القناع عن «الأمل السياسي» فيظهر ساذجاً لأنه أضعف من الثقة ويتطلب إيماناً في إمكانية أن يحدث. فيلسوف التنوير، باروخ شيبنوزا، فسّر الأمل بأنه «نقص في المعرفة وضعفٌ في العقل»، وعلى هذا الأساس ربما تصلح قراءة «الأمل» الذي بناه المقترعون من فلسطينيي الـ48 على الإيمان بإمكانية أن تغيّر «القائمة المشتركة» (مجموعة أحزاب الـ48) واقع حياتهم في ظل الاحتلال نحو الأفضل. ينسحب ذلك على الذين خاب أملهم إثر توصية «المشتركة» أمس أمام الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين رفلين، بتفويض المعروف بـ«جزّار غزة»، رئيس هيئة الأركان الأسبق، زعيم تحالف «أزرق أبيض»، بيني غانتس، بتشكيل الحكومة.الخيبة ليس لأن «الحزب الشيوعي الإسرائيلي ـــ الجبهة»، أو «الحركة الإسلامية الجنوبية»، أو «العربية للتغيير» قدمت التوصية، فهذه المركبات الثلاث أعلن قادتها من دون خجل أنهم سيوصون بغانتس تحت شعار «إسقاط بنيامين نتنياهو»، فضلاً عن أن برامجهم السياسية تدعو لـ«الشراكة اليهودية العربية»، و«المساواة بين جميع المواطنين الإسرائيليين»، لكن الخيبة جاءت في صفوف «التجمع الوطني الديمقراطي»، وبين الذين يدعون بصراحة للمقاطعة المبدئية للكنيست مثل حركتي «كفاح» و«أبناء البلد». فـ«التجمع»، الذي قاده عزمي بشارة ثم جمال زحالقة وأخيراً إمطانس شحادة، أوصى بغانتس، بعدما استطاع لمدة طويلة أن يحافظ على البُعد عن الانصهار في «بوتقة الأسرلة»، بخطابه القائم على «هوية قومية مواطنة كاملة». خطاب كان يركز على أن القومية العربية هي أحد مركبات الهوية ضمن الارتباط الوثيق بين الشعب الفلسطيني في الداخل وامتداده العربي في المحيط، وأمّا المواطنة الكاملة، فهي على قاعدة أن الحقوق التي يحصل عليها الفلسطينيون غير منوطة بولائهم لإسرائيل، لأنها من احتلتهم ولا يجب أن تمنّ عليهم كونهم أهل الأرض الأصليين لا الضيوف.
كانت الصدمة أكبر في صفوف «التجمع الديمقراطي» من الأحزاب الأخرى


خلال الانتخابات المتتالية، ومع رفع نسبة الحسم (العتبة الانتخابية) عام 2015، خاضت الانتخابات الأحزاب الأربعة، بما فيها «التجمع»، ضمن «القائمة العربية المشتركة» (أسقطت القائمة كلمة عربية منذ انتخابات الكنيست الـ21 في نيسان/أبريل الماضي). هكذا، انصهر الخطاب السياسي لـ«التجمع» تدريجياً إلى أن بات نسخة عن خطاب القائمة نفسها، وغابت فعّالياته عن الساحة كالبقيّة، ثم انزلق قادته الجدد إلى المربع الشعبوي الذي وضع حدوده رئيس القائمة، أيمن عودة. الغضب من التوصية سببه أن المناصرين والكوادر آمنوا أنه محال أن يحدث ذلك. وعلى هذه الخلفية، شاركت النائبة السابقة في «التجمع»، حنين زعبي، منشوراً سابقا لها في «فايسبوك»، انتقدت فيه توصية الحزب، قائلة إن«التوصية على جانتس هي دعم له، ولا مجال لأي فهم سياسي آخر. دعم مجرم حرب ومؤيد لكل ما تمثله الدولة اليهودية ليس اجتهاداً سياسياً، بل فقدان كامل لصوت الضحية ومنطقها وأخلاقها ورشدها السّياسي. إصلاح هذا الضرر السياسي الذي ضرب منجزات سقف وطني تمّ بناؤه خلال العقدين الأخيرين يتطلّب مجهوداً كبيراً».
أمّا رئيس «كفاح»، حاج يحيى، فرأى قرار القائمة «خطوة غير مفاجئة»، لأنها «أقيمت لهذا السبب، وبرنامجها على مستوى الاندماج الكامل في دولة الكيان واضح وصريح، ما يعني عملياً الانسلاخ عن الشعب الفلسطيني». يقول يحيى: «لا يمكن أن تعتبر نفسك جزءاً من شعب و(في الوقت نفسه تكون) جزءاً من حكومة تقمع وتحتل هذا الشعب. ما يدعو للغضب أن قيادة التجمع في وادٍ وكوادرها الوطنيين في وادٍ آخر». وأضاف في حديث إلى «الأخبار»: «نحن في التيار الوطني، ورغم أن المشتركة تقف وراءها قوى كبرى كالجي ستريت، والسلطة الفلسطينية، وأنظمة خليجية، لن نقف مكتوفي الأيدي. قريباً سيكون لنا تحركات نوعية لإحباط مسيرة الأسرلة. ما تقوم به القائمة اليوم هو الدور الذي رُسم لها وليس قرارها».
تعقيباً على المشهد، يقول الناشط السياسي في «حراك حيفا»، محمد كبها، إن «قرار التجمع لا يمكن فصله عن قرار المشتركة، ولذلك التوصية غير مفاجئة»، لأن «مشروع المشتركة وخطها السياسي واضح ويهيمن عليه الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي أسس له توفيق طوبي منذ عام 1949، وكان أول العرب الذين جلسوا في البرلمان الصهيوني معلنين ولاءهم لإسرائيل». يضيف كبها: «طوبي أقر بحق الصهاينة بإقامة دولة على حساب الفلسطينيين، وعودة وريث طوبي، وكان دائماً يبدي استعداده للجلوس في حكومة إسرائيليّة، حتى لو ترأسها مجرم حرب مثل غانس الذي يتفاخر بعدد الفلسطينيين الذين قتلهم».