إذا كان يُفترض أن يكون لكلّ تجربة في الحياة «دروسٌ» إيجابية، فتكون في حالة وباء «كورونا»، تعريف دول العالم إلى النظام الصحّي في كوبا. تلك الجزيرة الكاريبية الغارقة في حصارٍ مُمتد منذ ستّين عاماً، فرضته عليها الولايات المتحدّة الأميركية «عقاباً» على انتصار الثورة الاشتراكية بقيادة فيدال كاسترو، ولرفضها أن تكون «حديقةً خلفية» لواشنطن، نجحت آلة الدعاية الأميركية في «شيطنتها» وتشويه الحقائق حولها. ولكن في مقابل «أزمات» الدول «الكُبرى»، أمثال الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، ووقوفها عاجزة عن مواجهة «كورونا»، برزت كوبا «شريكةً» أساسية في مكافحة انتشاره. بدأ الدور الكوبي في 25 كانون الثاني، حين اختارت الصين دواء الـ«2B Interferon alpha»، المُنتج في الدولة اللاتينية، ليكون واحداً من حوالى 30 دواءً تمّ اختيارها من قبل «لجنة الصحة الوطنية الصينية» لعلاج الجهاز التنفسي. والدواء هو أحد مُنتجات التكنولوجيا الحيوية الكوبية، وقد استُخدم أيضًا ضد الالتهابات الفيروسية مثل نقص المناعة البشرية والورم الحليمي البشري والتهاب الكبد B و C.
ثمّ انطلقت البعثات الدبلوماسية الكوبية في معظم البلدان التي أصابها الفيروس، تعرض وضع خبراتها وإمكاناتها الطبية، بتصرّف الدول المحتاجة. لبنان هو أحد هذه الدول، فقد عُقد لقاء بين وزير الصحة حمد حسن والسفير الكوبي في بيروت، ألكسندر بيليسر موراغا، في 11 آذار، وجرى التباحث في إمكانية تبادل الخبرات بين البلدين. ويقول موراغا لـ«الأخبار» إنّ لبنان «قدّم، عبر وزارة الخارجية، كتاباً للمساعدة إلى عدد من البلدان، يطلب فيه معدات للتنفس، وكشوفات لاختبار فيروس كورونا ومعدات الحماية. أرسلنا الطلب إلى كوبا، وننتظر الردّ»، خلاف ذلك «لا يوجد طلب مُباشر من لبنان إلى كوبا لإرسال فريق طبي أو أدوية... ستكون كوبا دائماً مُستعدة لدعم البلدان الأخرى، خاصة بالبعثات الطبية وتوفير دواء 2B Interferon alpha»، كما فعلنا في مرّات سابقة»
وقوف كوبا إلى جانب الدول غير المُصنفة متطورة، أمرٌ متوقع. إلا أنّ «المُفاجئ» كان أن تُبادر إيطاليا إلى «الاستنجاد» بكوبا، بعد أن وصلت بعثة طبية صينية إلى البلد الأوروبي. تبحث إيطاليا عن خيارات بديلة، بعد أن أغلقت دولٌ عديدة في «الاتحاد» الأوروبي حدودها بوجه تقديم أي مساعدة لـ«شقيقتها».
وفي هذا السياق، نقل موقع «Farodi Roma» وقائع مؤتمر صحافي لمسؤول الصحة الكبير في إقليم لومبارديا، جوليو غاليرا، الذي قال إنّه «لمواجهة حالة الطوارئ التي فرضها «كورونا»، طلبنا المساعدة من كوبا التي تملك تاريخاً في إرسال بعثات طبية إلى الخارج لمساعدة المحتاجين، كما طلبنا مساعدة الصين وفنزويلا». وأضاف المسؤول الإيطالي أنّه «سنوفّر للأطباء مكاناً للعيش فيه... نحن بحاجة إلى مهارات الجميع». وبالفعل، وصلت البعثة الطبية الكوبية إلى إيطاليا.
وقد علّق كاتب المقال، أندريا بوتشو، مُعتبراً أنّه «من وجهة نظر سياسية، مضحك أن تطلب روما من البلدين اللذين اعتبرتهما ديكتاتوريات دموية المساعدة». وبعد أن كانت إيطاليا قد استقبلت في السابق وفداً من المعارضة الفنزويلية، وحصل نوعٌ من التنسيق بينهما، سأل الكاتب «لماذا طلب المسؤولون المساعدة من نيكولاس مادورو وليس من غوايدو؟».
15 دولة طلبت معلومات حول الدواء الكوبي أو استيراده


ولفت الكاتب إلى أنّ الطلب من كوبا وفنزويلا إرسال الأطباء إلى لومبارديا «تأكيد لجودة النظام الصحي الكوبي، ولأنّ الأطباء الكوبيين مُستعدون جيداً، فهم موجودون في ستين دولة على الأقل حيث يقومون بمهام صحية لدعم الأطباء المحليين. معظم مهامهم الصحية كانت تتم في دول العالم الثالث، ستكون هذه هي المرة الأولى التي تُرسل فيها بعثة إلى أوروبا للمساعدة في حالات الطوارئ». وختم متسائلاً ماذا سيقول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إذا وصل الأطباء الكوبيون والفنزويليون إلى إيطاليا، خاصة أن ترامب كان قد بدأ منذ فترة طويلة بحملة ضد الأطباء الكوبيين الموجودين في دول أميركا الجنوبية، متّهماً إياهم «بنشر الإيديولوجية الشيوعية والماركسية».
منذ فرض الحصار الأميركي عليها، وثمّ انهيار الاتحاد السوفياتي، مُنيت كوبا بأزمة اقتصادية حادّة. بلاد مشلولة اضطرت إلى تعديل أولوياتها - من دون أن تتخلّى عن اشتراكيتها - لتتمكن من تأمين الخدمات الأساسية لشعبها. فصبّت كلّ مواردها لتطوير ثلاثة مجالات: الطب، التعليم وتأمين الغذاء.
في عام 1983، أقرّت كوبا أحد قوانين الصحة العامة الذى يضع المبادئ الأساسية لمنظمة الرعاية الصحية، يقوم على أنّ الأخيرة يجب أن تكون «حقّاً مجانياً» لكلّ المواطنين. اعتبرت الدولة أنّ تأمين الطبابة لشعبها هو مسؤوليتها، فلم ترمِ به إلى مؤسسات خاصة، تهدف بالدرجة الأولى إلى جني الأرباح على حساب صحة الناس. يقوم النظام الصحي الكوبي على مبدأ «الوقاية»، الذي سمح للدولة بأن تُصبح على رأس قائمة الدول التي تُلبّي الأهداف الإنمائية التابعة للأمم المتحدة. تحتل كوبا مرتبة متقدمة، في خدماتها الصحية، على البلدان ذات الدخل المتوسط والمرتفع، وهي تتفوّق بمتوسط العمر لديها على الولايات المتحدة الأميركية. حتى إنّ المديرة العامة السابقة لمنظمة الصحة العالمية، مارغريت تشان، أشادت بالنظام الصحي الكوبي القائم على الوقاية، داعية إلى اتباعه من قبل البلدان الأخرى.
حتى الساعة، توجد في كوبا أربع حالات «كورونا»، ثلاث لسيّاح إيطاليين والرابعة لمواطن كوبي من مدينة «سانتا كلارا» حصل تواصلٌ بينه وبين السياح. قبل اكتشاف الإصابات، سارعت الدولة إلى تطبيق «الاستراتيجية الوقائية» من خلال اللقاءات التي عقدها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الصحة، في مختلف المحافظات الكوبية، وجرى تخصيص 1442 سريراً في 11 مستشفى، و867 سريراً في 10 مراكز عزل، و175 سيارة إسعاف لنقل المُشتبه في إصابتهم أو المرضى.
وأكّد رئيس مجموعة «Bio Cuba Farma» الحكومية، إدواردو مارتينيز، أنّ كوبا تملك مخزوناً من دواء «2B Interferon alpha» يكفي لعلاج كلّ المُصابين في الصين والدول الأخرى، من دون أن يؤثّر ذلك على الحاجة المحلية منه، كاشفاً أنّ 15 دولة في أميركا اللاتينية وأوروبا وأفريقيا وآسيا طلبت معلومات حول الدواء أو استيراده... «نعمل على الرغم من الوضع الاقتصادي غير الجيّد، والذي تفاقم مع اشتداد الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه الولايات المتحدة الأميركية على بلدنا».