شهد العالم، في الأيام القليلة الماضية، ما وُصف بـ«بارقة الأمل»، بعدما وجدت دراسة فرنسية جديدة نُشرت نتائجها في «المجلة الدولية لمضادات الميكروبات»، دليلاً على أنّ الجمع بين «هيدروكسي كلوروكوين» (وهو دواء شائع لمكافحة الملاريا معروف تحت الاسم التجاري Plaqenuil) والمضادات الحيوية «أزيثروميسين» (المعروف أيضاً باسم Zithromax أو Azithrocin)، يمكن أن يكون علاجاً فعّالاً للمرض الذي يتسبّب به فيروس «كورونا» الجديد (كوفيد ــــ 19)، ويقلّل مدة بقاء الفيروس في جسم المرضى.الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان أوّل المتلقّفين لهذه الدراسة، إلى حدّ أنه سارع خلال مؤتمر صحافي، الجمعة الماضي، إلى اعتبار أنّ هذا العلاج «سيغيّر قواعد اللعبة» في معركة بلاده ضد فيروس «كورونا». تصريح لم يلبث أن تحوّل إلى نوع من المبالغة، عندما أبدى مدير «المعهد الوطني للحساسية والأمراض المُعدية» أنتوني فاوتشي ــــ الذي كان حاضراً في المؤتمر الصحافي ــــ رأياً مغايراً، موضحاً أنّ الدراسة لم تتضمّن سوى أدلة «لا يمكن الاعتماد عليها» لدعم الادّعاء بأن الأدوية واعدة.
انعكس هذا الانقسام بين ترامب وفاوتشي على قنوات التلفزة الأميركية التي سخرت بغالبيتها (ما عدا «فوكس نيوز») من طرح ترامب، مثيرة مخاوف من أن يؤدّي ذلك إلى تهافت الناس على شراء الدواء، خوفاً من انقطاعه في ما بعد.
في هذه الأثناء، كان مدير «المعهد الوطني للحساسية والأمراض المُعدية» يسعى إلى الحدّ من الأضرار التي يمكن أن تنتج عن تصريحات الرئيس الأميركي. فأنتوني فاوتشي، الذي يعدّ من أهم الأطباء في الولايات المتحدة، يعمل حالياً من ضمن المجموعة الرئيسية التي شكّلها ترامب لمكافحة فيروس «كورونا» في بلاده. وهو لم يهدأ، في الأيام الأخيرة، متنقّلاً من قناة تلفزيونية إلى أخرى، للردّ على الأسئلة بشأن الدواء. وبعكس ترامب المتسرّع، يمكن تلخيص جواب فاوتشي بالتالي: «علينا أن نكون حذرين عندما نقول عن علاج إنه فعّال إلى حدّ ما». وإذ أشار إلى أن «هذا العلاج لم يتم التحقّق منه في تجربة سريرية تقارنه بأي شيء»، أضاف: «لقد تمّ تقديمه إلى بعض الأفراد، وشعر الأطباء أنه قد ينجح».
يعتقد ترامب بأنّ العلاج سيخفّف من عبء الأزمة الحالية على اقتصاد بلاده


من جهة أخرى، لا يزال هذا العلاج بحاجة إلى موافقة «إدارة الغذاء والدواء الأميركي» ـــ FDA. وهذه الأخيرة تطلب إجراء دراسات سريرية، حتى على الأدوية التي تم اعتمادها لمعالجة حالات أخرى. بمعنى آخر، صحيح أنّ الـ«كلوروكوين» دواء موجود منذ عقود، وقد أثبت فعّالية في معالجة أمراض مثل الملاريا والتهاب المفاصل الروماتويدي المزمن، إلا أنّ فاوتشي، وغيره من الأطباء، يحذّرون من أنّ الدواء قد يحمل آثاراً جانبية خطيرة، بما في ذلك الوفاة، إذا تم تناوله بشكل غير صحيح. بل حتى عند تناوله، بشكل صحيح، يمكن أن يسبّب أموراً، مثل عسر في المعدة أو ضرر دائماً للنظر.
مع ذلك، يبني الرئيس الأميركي آمالاً كبيرة على «الكلوروكين» المضاد للملاريا. ويعتقد، بناءً على «إحساسه»، بأنّ هذا العلاج سيخفّف من عبء الأزمة الحالية على اقتصاد بلاده، كما سيخفّض من كلفة الخطط «الهائلة» التي وُضعت لمواجهة الفيروس. فالأرقام الآتية من الولايات تنبئ بكارثة على وشك الحدوث، ولا سيما أنّ الأطقم الطبية تعاني من نقصٍ فادح في معدات الوقاية، كما أنّ عدد الأسرّة المجهّزة بأجهزة تنفس أقلّ بكثير من الحاجة المطلوبة، في الأيام المقبلة. وما يزيد الطين بلّة، عدم قدرة الولايات المتحدة على إجراء اختبارات الإصابة بفيروس «كورونا»، بالشكل الكافي، حتى إنّ مدة الانتظار للحصول على نتائج الفحوصات تصل أحياناً إلى خمسة أيام. ويتوقّع أن يكون الأسبوع الحالي سيئاً جداً، ولا سيما أنّ هذه البلاد قد تشهد ارتفاعاً كبيراً جداً في أرقام المصابين والوفيات. وقد أصبحت مدينة نيويورك مركز تفشّي المرض، بوجود أكثر من 20 ألف إصابة مؤكّدة فيها، فضلاً عن أكثر من 150 وفاة.