برغم فداحة أزمة «كورونا» العالمية، معطوفة على تسارع تفشّي الوباء في الولايات المتحدة، تستعجل الإدارة الأميركية حلّ ما يبدو أنه معضلة سياسية في أفغانستان. استعجالٌ تبدّى بإيفاد وزير الخارجية، مايك بومبيو، إلى العاصمة كابول للتوسّط بين «الرئيسين» أشرف غني وعبد الله عبد الله، تمهيداً لإطلاق عملية سلام داخلية مِن شأنها أن تسرّع تطبيق بنود اتفاق الدوحة بين الأميركيين و«طالبان»، وعلى رأسها انسحاب قوات الاحتلال مِن هذا البلد. لكن مساعي المسؤول الأميركي اصطدمت بتعنّت أبداه الطرفان لجهة تقديم تنازلات تفضي إلى حلّ الخلاف، ما دفع الولايات المتحدة إلى اتّخاذ إجراءات عقابية، تشمل اقتطاع مليار دولار من مساعدتها المقرّرة لأفغانستان لهذا العام، على خلفية استمرار النزاع على السلطة.وفي ضوء زيارة غير مثمرة لكابول استمرّت ثماني ساعات، عقد بومبيو خلالها اجتماعَين منفصلَين مع الرئيس أشرف غني (الفائز الرسمي بالانتخابات التي جرت في 28 أيلول/ سبتمبر الفائت)، وخصمه رئيس السلطة التنفيذية عبد الله عبد الله الذي أعلن أيضاً فوزه بالانتخابات ونصّب نفسه رئيساً، فشلت مساعي الوزير الأميركي في إقناع طرفَي الأزمة بتشكيل حكومة وحدة وطنية. وعليه، قرّرت واشنطن اقتطاع مليار دولار من مساعدتها المقرّرة لأفغانستان هذه السنة وهي «مستعدة أيضاً لاقتطاع مليار دولار إضافية في 2021»، وفق بيان وزارة الخارجية والذي عبّر عن «خيبة أمل منهم (القادة الأفغان) وممّا يعنيه سلوكهم لأفغانستان ولمصالحنا المشتركة». ونقل بومبيو إلى كلّ من غني وعبد الله «رسالة عاجلة»، وحضّهما على «تقديم تنازلات لما فيه خير الشعب الأفغاني»، لكنّهما «أبلغا الوزير عجزهما عن التوصل إلى اتفاق على حكومة جامعة». وبسبب هذا «الفشل» الذي «يعرّض للخطر المصالح القومية الأميركية»، قرّرت واشنطن أن تقتطع «فوراً» مساعدتها لكابول، والأمر قد لا يقف عند هذا الحدّ، وقد يشمل خفض مساعدات أخرى. الإعلان الشديد اللهجة الذي جاء في نهاية مهمّة بومبيو، يسلّط الضوء على مدى تعثر الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لإنهاء أطول حروبها. إلا أن غني قلّل من شأن الخطوة العقابية هذه، مؤكداً أن «اقتطاع المساعدة الأميركية لن يكون لديه أي تأثير مباشر على القطاعات الرئيسة»، لأن الحكومة «لديها خطط للحالات غير المتوقعة». وأشار إلى أن مناقشات أخرى ستُجرى لتسوية الخلاف مع عبد الله: «التقيت مع الدكتور عبد الله... وأردت أن أعرض عليه دوراً رئيساً في عملية السلام ومناصب في الحكومة لحلفائه، لكنّه أصر على تعديل الدستور»، وهذا «مستحيل». في هذا الإطار، نقلت «رويترز» عن مصدرين قولهما إن عبد الله أراد تعديل الدستور لاستحداث منصب «رئيس الوزراء»، للحدّ من السلطات المتركّزة في يد الرئيس.
قرّرت واشنطن اقتطاع مليار دولار من مساعدتها المقرّرة لأفغانستان


وعلى المستوى العسكري، لفت بيان الخارجية الأميركية إلى أن «واشنطن لن تساعد في العمليات العسكرية التي تكون من أجل أهداف سياسية، ولا القيادة التي تأمر بإجراء مثل هذه العمليات، كما أنها لن تقبل فكرة الحكومات الموازية». كذلك، ألقى باللوم على القيادة الأفغانية لجهة عدم تمكُّنها مِن تشكيل هيئة تفاوض شاملة مع «طالبان»، مشيراً إلى أن هذه القيادة لو تمكّنت من تشكيل حكومة شاملة لأمكنها العمل على الأمن والاستقرار والمضيّ قُدماً في عملية المصالحة، وحينها يمكن الولايات المتحدة أن تعيد النظر في قرارها الحالي.
في مقابل الفشل في إنهاء الأزمة الرئاسية، أعلن بومبيو أنّ الانسحاب التدريجي للقوات الأميركية مِن أفغانستان والذي بدأ بعد الاتفاق الذي أبرمته واشنطن مع حركة «طالبان» في 29 شباط/ فبراير في الدوحة، سيتواصل كما هو مقرّر. ونصّ الاتفاق على انسحاب تدريجي في غضون 14 شهراً لكل القوات الأميركية والأجنبية من أفغانستان، بشرط أن تفي الحركة بالتزاماتها الأمنية وأن تنخرط في مفاوضات سلام مباشرة مع حكومة كابول. لكنّ المأزق السياسي حال دون انعقاد المفاوضات المشروطة بدورها بإتمام عملية تبادل الأسرى بين الطرفين.