طهران | تسمية الأعوام، من المرشد الإيراني، السيد علي خامنئي، هو تقليد متبع على مدى السنوات، ويهدف إلى تحديد الاتجاه العام لسياسات البلاد وبرامجها. قبل أيام، سمّى خامنئي السنة الإيرانية الجديدة التي تبدأ في 21 آذار/ مارس، عام «الطفرة الإنتاجية»، علماً بأنه سمى العام الماضي «ازدهار الإنتاج»، الذي كان واحدة من أصعب سنوات الاقتصاد الإيراني على مدى الأعوام الأربعين الماضية. فاستدامة العقوبات الأميركية وتراجع الإيرادات من العملة الأجنبية، والاضطرابات السياسية والأمنية، بجانب الكوارث الطبيعية كالسيول وتفشي فيروس كورونا، وجّهت صدمات غير مسبوقة إلى الاقتصاد.رغم ما سبق، لم يزل قلب الاقتصاد ينبض، واستطاع سوق طهران المالي، العام الماضي، استقطاب سيولة نقدية هائلة، ليسجل بذلك رقماً قياسياً تاريخياً لأكثر من نصف قرن من نشاطاته، إذ إن المؤشر العام للبورصة شهد نمواً بنسبة 181%، ليقفز من 178 ألف نقطة إلى أكثر من 500 ألف. وقبل مدة قصيرة قال المدير التنفيذي لسوق طهران المالي، علي صحرائي: «شهد المستثمرون في بورصة طهران سنة لا تنسى، إذ إن معدل ربحية المستثمرين... أحرزت على قاعدة أرقام وإحصاءات الاتحاد الدولي للبورصات (WFE) المركز الثاني بين أعضاء الاتحاد، والأول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».
يبدو أن طرح خامنئي قضية زيادة الإنتاج يمثّل «الاستراتيجية المعكوسة» لمواجهة السياسة الأميركية الرامية إلى عزل إيران، وكذلك تداعيات «كورونا»، ولا سيما أن المرشد قال قبل أشهر إن «من العبث تصور انتهاء العقوبات خلال السنتين المقبلتين، إلا إذا أحبطنا أثر العقوبات». وفي الوقت الذي تراجعت فيه مبيعات النفط والتبادل الاقتصادي والمصرفي مع العالم، فإن طهران تريد عبر تعزيز الاقتصاد الداخلي تقليص أضرار العقوبات، مع أن أزمة «كورونا» حمّلت الاقتصاد عبئاً مضاعفاً وأبرزت أكثر فأكثر خطر الركود.
رغم العقوبات حقق سوق طهران المالي العام الماضي ربحاً عالياً للمستثمرين


يشرح رئيس تحرير الخدمة الاقتصادية لـ«وكالة الأنباء الرسمية» (إرنا)، إسماعيل داودي، أن «الاقتصاد الإيراني يمرّ الآن بخمس قضايا رئيسية: فرض العقوبات، تراجع الإيرادات النفطية، العودة إلى قائمة FATF السوداء، تقييد العلاقات الاقتصادية مع الصين والبلدان الجارة وتفشي كورونا». ويقول لـ«الأخبار»: «سعر النفط وصل إلى أدنى مستوياته، ومع الأخذ بالاعتبار حالات مثل القيود على المبيعات وتكلفة تحويلات المال البالغة 15 إلى 20% وتكلفة استخراج كل برميل، البالغة 12 دولاراً، من الواضح أن العائدات بالعملة الأجنبية ستصل إلى الحد الأدنى. هذه القضية ستذكيها القيود التجارية التي يعود جزء منها إلى العقوبات والجزء الآخر إلى كورونا».
السؤال الأهم: كيف يمكن مواصلة الإنتاج، وحتى تطويره، في هذه الظروف؟ يذهب داودي إلى أن ثمّة طاقات يملكها الاقتصاد الإيراني، إن تم إيلاؤها الأهمية أكثر من السابق، بالتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص، فإنها لن تسهم في زيادة «المقاومة» فحسب، بل يمكن بها «المضيّ قدماً لتحقيق شعار الطفرة الإنتاجية». ومن بين هذه الآليات توجيه الاستثمارات نحو القطاعات التي تتمتّع بميزات بما فيها صناعات البتروكيماويات وقطاع الزراعة، وتمويل وحدات الإنتاج عن طريق سوق الأوراق المالية. أما آلية الحكومة لمواجهة النتائج السلبية لـ«كورونا»، فهي حالياً «رصد 20% من موازنة هذا العام للتعويض عن الخسائر والأضرار الناجمة عن الفيروس... الدولة أخّرت مواعيد استحقاق التسهيلات المصرفية والضرائب على الأعمال والمهن المتضرّرة إلى ثلاثة أشهر»، وفق داودي.
مع ذلك، يذهب عدد من المحلّلين إلى الاعتقاد بأن إيران إن أرادت إنعاش إنتاجها الداخلي، يجب أن تسخّر السياسة الخارجية لتوسيع علاقاتها مع بلدان كثيرة. كما يرى خبراء أن الضغوط الناجمة عن العقوبات وتداعيات «كورونا» يمكن أن تؤدي إلى إيجاد شيء من الاستدارة والمرونة في السياسة الخارجية. رغم ما تقدم، لا يبدو أن تطوراً سيحدث في هذا المجال قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية وما سيؤول إليه مصير دونالد ترامب. يقول رئيس تحرير صحيفة «آفتاب يزد»، علي رضا كريمي، لـ«الأخبار»: «لا يبدو أن واشنطن ستعمل على إرخاء برغي العقوبات حتى لو بصورة مؤقتة. وإن فعلت ذلك، فمن المستبعد أن تسمح لطهران بتحقيق منفعة بعينها، لذلك تحدّي العقوبات، بجانب كورونا، يتطلّب من المسؤولين تهيئة أنفسهم لسنة صعبة». في هذا الإطار، كتبت مجلة «تجارت فردا»، التي تعدّ أهم مجلة اقتصادية إيرانية وهي قريبة من «غرفة التجارة»، أن «عوامل كثيرة تداخلت معاً لجعل الاقتصاد في السنة الجديدة أقل حجماً وأكثر انغلاقاً، ولجعل أجواء العمل غير مؤاتية أكثر من أي وقت مضى».