تتوالى المستجدات في السياق الحكومي الإسرائيلي بعدما استجدت عراقيل أمام بلورة الاتفاق التفصيلي بين مكوناتها، عقب انتخاب رئيس تحالف «أزرق أبيض»، بيني غانتس، رئيساً للكنيست. وتمحورت الخلافات حول عدد من القضايا، لكن المتغير الأساسي الذي عزَّز موقع زعيم «الليكود»، بنيامين نتنياهو، التفاوضي هو تفكك «أزرق أبيض»، ما أضعف منافسه (غانتس) وجعله معلقاً بين اتفاق يخضع فيه لسقوف نتنياهو، وتحالف صار من الماضي. هكذا، تحوَّل نتنياهو إلى اللاعب الأساسي بعدما نجح في تحييد التهديد المحدق بمستقبله السياسي والشخصي، ويمكن التقدير أن توجه ثلاثة أعضاء كنيست من خارج حزب غانتس للانضمام إلى حكومة نتنياهو أسهم أيضاً في تعزيز موقفه ضد غانتس. كذلك يدور حديث عن إمكانية انضمام عضوين من كتلة موشيه يعلون، ورئيسة «غيشر»، أورلي ليفي ابيكاسيس، وربما يلتحق «العمل» بهذا المسار.مع ذلك، يوفر دخول «أزرق أبيض» إلى الحكومة قاعدة برلمانية عريضة لنتنياهو تُقدّر بــ15 عضو كنيست، ما يعني هامشاً واسعاً من المناورة بين أطراف الحكومة. فلا يستطيع بموجب ذلك أن يهدد استمرارها أيٌّ من أطرافها، كما الحال عندما تستند إلى غالبية هشة، إذ يمكن عندئذ عبر استقالة عضو أو اثنين إسقاط الحكومة. وفي المقابل، ينبغي التذكير بحقيقة أن غانتس لم يلجأ إلى خيار الانضمام إلى الحكومة إلا بعدما استنفد خياراته البديلة، وتمثل ذلك في فشل الرهان على إسقاط نتنياهو جماهيرياً وقضائياً وسياسياً، بموازاة التفاف معسكر اليمين حوله. ثم فشل المعسكر المضاد لنتنياهو في أعقاب الانتخابات الأخيرة في تأليف حكومة أقلية نتيجة حساسية شخصيات يمينية من الاستناد إلى أصوات عربية. بذلك، وجد غانتس نفسه أمام خيارين: حكومة وحدة مع نتنياهو، أو انتخابات رابعة في ظل الأوضاع الصحية والاقتصادية المستجدة. ولا ينبغي أن نستبعد طموحات غانتس السياسية التي مثّل توليه رئاسة الكنيست مدخلاً مهماً لتحقيقها، خاصة إذا تضمن الاتفاق أن يتولى رئاسة الحكومة بالتناوب مع نتنياهو.

تركيبة الحكومة
وكانت الخلافات بين الطرفين قد تمحورت حول ثلاث قضايا رئيسية: هوية رئيس الكنيست المقبل، ووزير القضاء المقبل، ومسألة فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق في الضفة المحتلة بموجب «صفقة القرن» الأميركية. ومن الحلول المطروحة تعيين الوزير ياريف لفين رئيساً للكنيست (لاحقاً)، فيما قد يحظى رئيسه السابق، يولي إدلشتاين، بوزارة التعليم بعدما أخفق في عودته إلى المنصب نتيجة معارضة «أزرق أبيض». وفي ما يتعلق بوزارتي القضاء والأمن الداخلي، تم التوصل إلى صيغة وسط يتم بموجبها تعيين الوزير من معسكر ونائبه من المعسكر الآخر، على أن يتم اتخاذ القرارات المتعلقة بالمسائل المهمة بالتوافق، ليكون الطرفان قد تعادلا في إنتاج القرارات. ويبدو أن هذا الاختراق تحقق بعدما تجددت المفاوضات أول من أمس بعد توقف لأيام، وقد استهلها «الليكود» بالمطالبة بإنشاء مقر إقامة لنائب رئيس الحكومة على نفقة الدولة، إذ طلب إضافة بند يتضمن هذا الشرط على مسودة الاتفاق. وفي ضوء ذلك، سيستمر غانتس بالإقامة في منزله حتى توليه منصب رئيس الحكومة، بموجب اتفاق التناوب.
استطاع نتنياهو كسر تحالف غانتس واستبعاد ليبرمان وضمان مستقبله


وفق التقارير الإعلامية الإسرائيلية، تضمن الاتفاق المرتقب أن تضم الحكومة 30 وزيراً على الأقل، بينهم 15 من كتلة اليمين، الأمر الذي سيمنع تعيين أعضاء كنيست من تحالف أحزاب اليمين المتطرف «يمينا» في حقائب مهمة، فيما حاول رئيس التحالف، نفتالي بينِت، استكشاف وضع تحالفه في الحكومة الآخذة بالتشكّل، خلال محادثة هاتفية مع نتنياهو، لكنه لم يحصل على إجابة واضحة في هذا المجال. ورغم أن هذا التكتل وقف إلى جانب نتنياهو الذي عطل تأليف الحكومة طوال الأشهر الماضية، فإن مصدراً في «الليكود» لفت إلى أن نتنياهو لم يقرر بعد هل سيكون «يمينا» جزءاً من الحكومة. ومن جهة أخرى، عاد نتنياهو إلى الحجر الصحي بعدما تبين أن وزير الصحة، الحاخام يعقوب ليتسمان، مصاب، وانضم إليه هذه المرة رئيس «الموساد»، يوسي كوهين، نتيجة اجتماعهما به.
في كل الأحوال، الواضح أن نتنياهو نجح في تسجيل إنجاز سياسي نوعي تمثل في تسليم خصومه أنه لا رهان على إسقاطه سياسياً أو شعبياً أو قضائياً، بل استدرج بعض خصومه للمشاركة في حكومة برئاسته، وقد حقَّق ذلك من دون تقديم تنازلات تهدد مستقبله السياسي والشخصي. واستطاع أيضاً بعد سنة ونصف من الكباش السياسي تفكيك «أزرق أبيض»، إضافة إلى الانتقام من خصمه، رئيس «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، الذي لعب دوراً أساسياً وحاول أن يكون «بيضة القبان»، بل بدا على مستوى النتائج أن غانتس استغل دور ليبرمان في تعطيل تأليف حكومة يمينية، وتحويل ذلك إلى منصة للقفز إلى رئاسة الكنيست، ومن هناك إلى رئاسة الحكومة، في حال نفذ نتنياهو وعوده.

نتنياهو يستعرض فيديو كاذب!
عرض نتنياهو أمام وزرائه، الإثنين الماضي، تقريراً زعم فيه أن معلومات وصلته تفيد بأن إيران تخفي عن العالم معلومات حول حجم الوفيات بـ«كورونا». وفي محاولة للاستدلال، استعرض مقطع فيديو قدمه رئيس «مجلس الأمن القومي»، مئير شبات، ثم تبيّن أن «هيئة الأمن القومي» حصلت عليه من شبكات التواصل الاجتماعي، وهو مأخوذ من مسلسل هوليوودي عام 2007 باسم «بندميك»، أي «وباء»، كما ذكرت التقارير الإسرائيلية. حاول نتنياهو أن يُثبت أن طهران تخفي حجم ضحاياها نتيجة الوباء، لكن محاولته باءت بالفشل. ولم ينفِ مكتب نتنياهو ما حدث خلال الاجتماع، بل قال: «الفيديو استعرض أمام وزير الأمن بينت، والطاقة يوفال شطاينيتس، وحماية البيئة زئيف إلكين، بعدما عبّروا عن اهتمامهم به. وذُكر بوضوح أنه مقطع من شبكات التواصل وليس واضحاً مدى مصداقيته».