لا يغير التعثر الذي واجهته مساعي تشكيل الحكومة الاسرائيلية في اللحظات الأخيرة من حقيقة أن الاتجاه العام لهذا المسار يتحرك بوتيرة متسارعة نحو الإعلان الرسمي عن ولادتها الذي يمكن صدوره في اي وقت.واذا ما تجاوزنا مناورة الساعة الأخيرة لرئيس ازرق ابيض بني غانتس، حول لجنة القضاة وتحت شعار الدفاع عن الديمقراطية، من الواضح انه بات إعلان الحكومة الإسرائيلية الجديدة مسألة بروتوكولية بعدما تم الاتفاق، الذي لم يكن مستبعداً في أي وقت، حول جميع القضايا الخلافية، بما فيها فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق في الضفة المحتلة، ورئاسة الكنيست، وتوزيع الحقائب الوزارية، وآلية تعيين القضاة. بموجب ذلك، تمت صياغة مسوّدة أولية للاتفاق الائتلافي، ما يعني أنه لم يعد ينقص سوى التوقيع والإعلان. وأوضحت التقارير الإعلامية العبرية أن الحكومة ستضم 30 وزيراً، يجري لاحقاً توسيعها لتشمل 34 وزيراً بعد انتهاء الأزمة التي نتجت عن فيروس كورونا، على أن يُعيّن الوزير ياريف لفين (من حزب «الليكود») رئيساً للكنيست (من بعد بيني غانتس)، فيما تُمنح قائمة «أزرق أبيض» حرية الاختيار بين حقيبتي التعليم والخارجية.
وبشأن ما قيل عن خلافات بين الطرفين بخصوص الموقف من فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق في الضفة، بموجب «صفقة القرن» الأميركية، نصّ الاتفاق على أن ذلك سيتم خلال شهرين ونصف شهر من عمل الحكومة المرتقبة، بعد «التشاور» مع رئيس التحالف بيني غانتس، وبموافقة الأميركيين، فيما سيمنح أعضاء الكنيست من الكتلتين، «الليكود» و«أزرق أبيض»، حرية التصويت في الحكومة على القرارات المتعلقة بهذا الشأن. ونص البند الذي يتعلق بفرض السيادة الإسرائيلية على أن «رئيس الحكومة ورئيس الحكومة المستقبلي (التناوب) سيعملان بالاتفاق التام مع الولايات المتحدة وإدارة حوار مع المجتمع الدولي، مع الحفاظ على المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية واتفاقات السلام»، وعلى أن رئيس الحكومة المخوَّل طرح القرارات المتعلقة بمسألة السيادة هو الأول ــ بنيامين نتنياهو ــ بموجب اتفاق التناوب.
هكذا، يكون الطرفان قد أدخلا في الصيغة ما يسمح لهما بتسويق أن كل واحد منهما استطاع أن يفرض ما يلبي نسبياً مطالبه. وبعد الاتفاق، تحدث نتنياهو مع رئيس «مجلس المستوطنات» في الضفة، دافيد الحياني، لطمأنته إزاء التفاهمات مع غانتس حول مسألة السيادة، وتعهد له بأن الحكومة التي ستتألف ستعمل على فرض السيادة في الأشهر القريبة المقبلة. في أعقاب ذلك، أعرب الحياني عن ثقته بنتنياهو، مؤكداً أن المستوطنين يعتمدون عليه لكونه مصمّماً على دفع الموضوع قدماً.
وكما هو متوقع في القضايا التي يتعذر فيها التوصل إلى حلول صريحة وواضحة، تم اعتماد صيغة فضفاضة بشأن تعيين القضاة، ما يمنح الأطراف تفسيرها بأكثر من معنى، ويدفعهم إلى بحثها لاحقاً، واتخاذ القرارات بشأنها بالتوافق. هنا تفيد التقارير بأنه تم التوصل إلى اتفاق حول تشكيلة اللجنة لتعيين القضاة، وتقرر بعد تراجع «الليكود» عن مطالبه ألا يتمتع الأخير بحق النقض للشخصيات التي ستُعين في اللجنة. في ضوء ذلك، علّقت مصادر في الحزب على مخرجات المفاوضات بأنها «انتصار ساحق لليكود»، موضحة أنه في كل الأحوال «لم يكن نتنياهو سينفذ عملية ضم مناطق في الضفة إلى السيادة الإسرائيلية من دون موافقة الأميركيين، فضلاً عن أن غانتس لا يملك حق النقض في هذه المسألة». وحول مضمون الاتفاق، قالت المصادر إنه تمت صياغته «بما يلبي شروط الليكود... مع نوع من الاحترام والكلمات المنمقة».
في المقابل، صدرت مواقف معارضة تصف ما جرى بأنه رضوخ مخزٍ لليمين، وأن الحكومة التي ستتألف لن تؤدي سوى إلى توسيع الاستيطان. وحول التهديد الذي سبق أن وجّهه حزب غانتس، قبل التقدم السريع في المفاوضات، بسنّ قوانين ضد نتنياهو إن لم يتم التوصل إلى اتفاق على الحكومة «خلال ساعة»، علّق رئيس كتلة «الليكود»، عضو الكنيست ميكي زوهر، بأن هذا التهديد يذكّره بـ«أفلام المافيا»، علماً بأن «أزرق أبيض» نفى وجود تهديد من هذا النوع.