بعد انتظار غير مبرّر، لجأت الدول الأوروبية ــــ متأخرة ــــ إلى فرض إجراءات العزل على مواطنيها، وبعدما فتك فيروس «كورونا» بالآلاف منهم. وحدها السويد غرّدت خارج السرب وفضّلت التركيز على «التباعد الاجتماعي» بدل الحظر التام للتجوال وإقفال مدنها. وهي استراتيجية تعتمد أساساً على «تطوّع» المواطنين للالتزام بنصائح الدولة بدل أن تفرض هذه الأخيرة إجراءاتها تحت سيف القانون.منذ البداية، لم تتخذ هذه الدولة الاسكندينافية التي تعد 10.3 ملايين نسمة تدابير قاسية لاحتواء الفيروس، بل انفردت بإجراءات أقل صرامة، رغم تسجيلها نحو 10 آلاف إصابة وأكثر من 700 حالة وفاة، وهي نسبة أعلى بكثير من تلك التي سُجلت في الدول المجاورة لها، مثل الدنمارك والنروج. قررت السلطات إغلاق المدارس الثانوية والكليات والجامعات، لكنها أبقت على المدارس التمهيدية والابتدائية. كما أبقت على حدودها مفتوحة، وسمحت للحانات والمطاعم بفتح أبوابها، شرط أن تراعي «التباعد الاجتماعي» عبر استقبال عدد أقل من الزبائن. كما قررت حظر الأنشطة العامة التي تضم أكثر من 500 شخص، قبل أن تخفض العدد الى 50، وهو رقم لا يزال أعلى بكثير من دول أخرى. ونصت التوجيهات الحكومية على أنه يجب على كل شخص «الابتعاد» عن الآخرين في المتاجر والمكاتب والمتاحف والمكتبات وغرف الانتظار ووسائل النقل العام. و«نصحت» بتجنب السفر في ساعة الذروة وتجنب جميع أشكال السفر غير الضروري. و«تفادي المشاركة في المناسبات الاجتماعية الكبيرة مثل الحفلات والجنازات والمعموديات وحفلات الزفاف».
«بهدوء حذر وواقعية»، بحسب تقرير للمعهد الأميركي للأبحاث الاقتصادية، اتخذت السلطات السويدية قرارات أدت الى خفض مستوى الهلع بين السكان. واحتل صناع القرار اللامركزيون من اختصاصيي الأوبئة والجامعات وموظفي الخدمة المدنية والأطباء والممرضات وعمال المستشفيات الصفحات الأولى والمنابر الإعلامية. وصار كبير الاختصاصيين في علم الأوبئة أندرس تيغنيل وجهاً معروفاً، وهو اعتبر أن الحجر الصحي الشامل «سيضر أكثر مما ينفع»، مخالفاً بذلك عدداً كبيراً من الدول التي أعلنت إغلاقات وحظراً للتجوال، مشيراً الى أن «الحل يكمن في التباعد الاجتماعي بين الناس، ما سيحدث توازناً في الحالات الجديدة». هذه التوصية اعتمدت على سياسة الدولة السابقة في التعامل مع الأوبئة، والتي كانت ولا تزال مبنية على تطوع المواطنين للتقيّد بنصائح الدولة لا فرضها. «وهذه السياسة كانت ناجحة دائماً في الماضي» يقول تينغيل، مؤكداً أن استراتيجية السويد مبنية على منطق علمي، لخّصها بالآتي: «نحن نحاول إبطاء الانتشار بشكل كافٍ لنتمكن من التعامل مع المرضى ونمنح المواطنين خيار القيام بما يصبّ في مصلحتهم. وهذا يعمل بشكل جيد للغاية وفقاً لتجربتنا». أضف الى ذلك، حال التعاضد في مجتمع يؤمن بالعمل التطوعي. شركات «الفودكا»، على سبيل المثال، بدأت تصنيع معقّمات لتوزيعها على المستشفيات والمواطنين. وقررت المتاجر فتح أبوابها قبل موعدها بساعة لاستقبال كبار السن، فيما خضعت طواقم شركة الخطوط الجوية الاسكندينافية لدورة مدتها ثلاثة أيام للتدرب على أداء الواجبات الأساسية في المستشفيات، للمساعدة في سد فجوات في نظام الرعاية الصحية الذي يعمل فوق طاقته.
أبقت السويد على المدارس التمهيدية والابتدائية والحانات والمطاعم والحدود مفتوحة


صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، نشرت تقريراً استعرضت من خلاله الطريقة «المتفردة» التي تدير السويد بها الأزمة، وسألت ما إذا كانت أخطأت في التعامل مع الوباء أم أن خطتها ستكون «استراتيجية رائدة وذكية في محاربة آفة تسببت في هدر الملايين من الوظائف ودفعت إلى عمليات إغلاق غير مسبوقة؟». بحسب آراء خبراء، تحدثت اليهم الصحيفة، فإن السويد تتميز تاريخياً بـ«درجة عالية من ثقة المواطنين بالمؤسسات العامة والوكالات الحكومية». لا بل إن «الثقة متبادلة»، وفق ما أبلغ المؤرخ السويدي لارس تراغارد الصحيفة، وهو ما عبّرت عنه وزيرة الحارجية السويدية آن ليند، رداً على إشارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن «السويد تعاني بشدة» بسبب طريقتها في إدارة الأزمة. إذ قالت: «نقوم بالإجراءات نفسها التي تطبقها دول أخرى كثيرة، لكن بطريقة مختلفة... نحن على ثقة بأن الناس يتحملون المسؤولية».