رغم استمرار تفشي فيروس «كورونا» في الولايات المتحدة، حاصداً نحو 23 ألف ضحية ومسجّلاً أكثر من نصف مليون إصابة، لم يمنع ذلك دونالد ترامب من الإصرار على احتمال إعادة تحريك عجلة الاقتصاد بحلول آخر نيسان الجاري.وظهر خلال الأيام القليلة الماضية مزيد من الإرباك والتخبّط ضمن الإدارة الأميركية بشأن كيفية التعاطي مع الأزمة. فقد أعلن ترامب حالة الطوارئ في كامل الولايات، ما يسمح لإدارته بتخصيص 50 مليار دولار في شكل مساعدات تُمنح للولايات والمؤسسات الصحية المحلية لمكافحة الفيروس. لكنّ ذلك لم يمنعه من التلويح بإعادة فتح الاقتصاد.
وسرى التناقض على تصريحات ترامب، أيضاً، إذ صرّح، قبل أيام، بأنّ قرار إعادة فتح الاقتصاد هو الأصعب الذي سيتّخذه، ليعلن بعد ذلك أنّ إغلاق الاقتصاد الأميركي صعب أيضاً. وقال إنه يريد عودة الحياة إلى طبيعتها في أسرع وقت ممكن، وإنّ القيود المشدّدة على التنقلات بهدف احتواء انتشار المرض لها ثمنها على الاقتصاد والصحة العامة.
يأتي ذلك في وقت تسبّبت فيه أوامر البقاء في المنزل المفروضة في أنحاء البلاد في تبعات ضخمة على الاقتصاد. وبينما توقّع خبراء اقتصاديون أن يصل عدد من خسروا وظائفهم إلى 20 مليوناً، نهاية الشهر الجاري، أعلن رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، الديموقراطي آدم شيف، أن طلبات الإعانة بسبب البطالة وصلت إلى 16 مليون طلب. ويثير هذا الواقع مخاوف وتساؤلات عن إمكانية استمرار إغلاق الأعمال والقيود على التنقلات والسفر.
ومن هذا المنطلق، قال ترامب في إحدى إحاطاته اليومية عن فيروس «كورونا»: «سأُضطر إلى اتخاذ قرار، وآمل من الله أن يكون القرار الصحيح، إنه أكبر قرار يتعين عليّ اتخاذه على الإطلاق». ولفت إلى أنّ الحقائق هي التي ستحدّد الخطوة المقبلة. ولدى سؤاله عن المعايير التي سيستخدمها للتوصل إلى القرار، أشار إلى جبهته، وقال: «المعايير هنا... هذه معاييري».
إلّا أنّ خبراء الصحة العامة، ومسؤولين في إدارته، حذّروا من أنّ عدد وفيات المرض قد يصل إلى 200 ألف في الولايات المتحدة، خلال الصيف، إذا تمّ رفع الإجراءات غير المسبوقة لمكافحة المرض، والتي شملت إغلاق أغلب الأعمال. وتسري الإرشادات الاتحادية الحالية حتى 30 نيسان، ثم سيكون على الرئيس اتخاذ قرار بشأن تمديدها، أو البدء في تشجيع الناس على العودة إلى العمل والى شكل أكثر طبيعية للحياة اليومية. وفي هذا الإطار، يواجه ترامب عراقيل من نوع آخر، إذ يقول خبراء في القانون إنّ رئيس الولايات المتحدة لديه سلطة محدودة جداً في أن يأمر المواطنين بالعودة إلى أماكن العمل، أو يأمر المدن بأن تعيد فتح المباني الحكومية أو وسائل المواصلات أو مشاريع الأعمال المحلية. وبموجب التعديل العاشر للدستور الأميركي، فإنّ حكومات الولايات لها سلطة حفظ الأمن للمواطنين، وتنظيم الخدمات العامة للرعاية الاجتماعية.
رغم ذلك، شدّد الرئيس الأميركي، أمس، على أنّ قرار إعادة فتح الاقتصاد هو قراره وليس قرار حكام الولايات. وكتب على «تويتر»، «إنه قرار رئيس البلاد... الإدارة وأنا نعمل بشكل وثيق مع حكام الولايات وهذا سيستمر. سأتخذ قريباً قراراً بعد التشاور مع حكام الولايات وآخرين». وفي السياق، أعلن أنه سيكشف في الأيام المقبلة عن مجلس استشاري جديد، سيضم بعض حكام الولايات ويركّز على عملية إعادة عمل الاقتصاد الأميركي.
نشر ترامب وسماً يطالب بإقالة فاوتشي ما أثار تكهّنات بأنه يريد التخلّص منه قريباً


ومن أجل تثبيت فكرة أنّ القرار بيده، إن في كيفية مواجهة «كورونا»، أو بشأن تحريك الاقتصاد، واصل ترامب سعيه إلى إطاحة كلّ الأصوات التي تعارضه في ذلك. ومن هؤلاء أنطوني فاوتشي، أكبر خبير للأمراض المعدية في البلاد، والذي يعمل ضمن فريق المختصّين في البيت الأبيض. هذا الأخير كان هدفاً لترامب الذي نشر، قبل يومين، وسماً على موقع «تويتر»، يدعو إلى إقالته، بعدما قال إنه كان من الممكن إنقاذ أرواح لو اتخذت البلاد إجراءات العزل العام مبكراً. وأعاد ترامب، أول من أمس، نشر رسالة من مرشح جمهوري سابق للكونغرس استشهد بتصريحات أدلى بها فاوتشي في لقاء تلفزيوني، وقال على «تويتر»: «حان الوقت، أقيلوا فاوتشي». وسبق أن أعاد الرئيس الجمهوري من قبل، نشر تغريدات تنتقد مسؤولين أو خصوماً له، بدلاً من أن ينتقدهم بشكل مباشر. وأثارت إعادة نشر الوسم تكهّنات بأنّ صبر ترامب تجاه الخبير الشهير قد بدأ ينفد، وقد يقيله بالفعل. وبرز دور فاوتشي على مستوى البلاد في قيادة مكافحة الوباء، حتى إنّ استطلاعات الرأي أظهرت أن نسبة كبيرة من الناس تثق به أكثر ممّا تثق بترامب. وقد ناقضت تصريحاته رؤية ترامب، مرّات عديدة، إذ قام بتصحيح الرئيس في أمور علمية خلال الأزمة، بما شمل مدى فاعلية عقار «هيدروكسي كلوروكين»، وهو دواء قديم مستخدم في علاج الملاريا، في التغلّب على «كوفيد ـــــ 19». وفي آخر حلقات الخلاف بين الرجلين، سئل فاوتشي، خلال مقابلة على شبكة «سي أن أن»، عن تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، وثّق تحذيرات مبكرة وصلت إلى البيت الأبيض عن الفيروس المستجد، فأقرّ بأنّ تطبيق إجراءات العزل مبكراً كان من شأنه إنقاذ أرواح، لكنّه حذّر من أنّ عدداً من العوامل تتدخل في الأمر. وقال: «بالطبع كان من الأفضل أن يكون لديك بداية مبكرة استباقاً للأحداث، لكن لا أعتقد أنه يمكنك القول إننا وصلنا إلى ما نحن فيه الآن بسبب عامل واحد فقط... الأمر معقد للغاية». وفاوتشي مستهدف من الأصل من اليمين المتطرّف في البلاد بسبب مناقضة تصريحاته لرؤية ترامب، وقد تسبّبت التصريحات الأخيرة في مزيد من الانتقادات له. وندّد ترامب أيضاً بتقرير «نيويورك تايمز»، في عدة تغريدات نشرها أول من أمس، كما وصفه بأنه «زائف».
(رويترز، أ ف ب)